ميالة.. في كل يوم تصريح


أصبحت تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي، أديب ميالة، جزءاً أسياسياً من منظومة الأخبار التي يحرص النظام على حضورها اليومي في وسائل إعلامه..  فهو تارة يتحدث عن قرارات جديدة سوف يتم اتخاذها في الفترات القادمة تحسباً لفشل قراراته السابقة..  وتارة أخرى يهدد ويتوعد المتلاعبين إن شعر أن الدولار بدأ يتحرك صعوداً.. وفي الحالات العادية وعندما لا يكون هناك حاجة لأي قول، فإنه يؤكد على استمرار التدخل في سوق الصرف..

هذه المواقف الثلاثة أو إحداها، تكاد لا تغيب عن إعلام النظام، وحتى في أيام العطل تبقى حاضرة أو يتم التذكير بها.. فما السبب يا ترى..؟، وما الهدف من هذا الحضور الطاغي للمصرف المركزي وحاكمه..؟!

منذ انطلاق الثورة السورية قبل أكثر من خمس سنوات، شعر النظام أن الوضع الاقتصادي، هو خاصرته الرخوة التي ستحاول المعارضة النفاذ من خلالها لإسقاطه، وأكثر ما توقع المساس به هو سعر صرف الليرة السورية كونها المؤشر الأبرز على الاقتصاد وواجهته الحقيقية..  لذلك، لعل أغلبنا يتذكر المؤتمر الصحفي الشهير لحاكم المصرف المركزي في الشهر السادس من عام 2011، والذي أعلن فيه عن احتياطات العملة لديه والتي قدرها بأكثر من 20 مليار دولار..

كان ذلك المؤتمر، هو الظهور الأول لحاكم المصرف المركزي كجزء من الحدث، وأثار وقتها الكثير من التساؤلات: لماذا لا يكون وزير المالية أو وزير الاقتصاد هو المصرح، أو حتى رئيس الوزراء في مثل هذه الحالة..؟!

في الواقع، إن إعطاء المصرف المركزي كل هذا الدور، هو فكرة جديدة، لم يسبق النظام إليها أحد.. لقد جرت العادة في مثل هذه الأحداث أن تلجأ الدول إلى تشكيل ما يسمى حكومة حرب، توضع إمكانيات الدولة كلها تحت تصرفها، ويتولى مهمة الناطق الرسمي باسمها وزير الإعلام والدعاية عادة، بما فيها الشؤون الاقتصادية والسياسية والميدانية أو العسكرية.. غير أن النظام لم يفعل أي شيء من هذا القبيل، بل ظل مصراً على سير الأمور وكأن البلد ليس بها أي مشكلة، وإن كانت الأمور تدار بالخفاء بعقلية حكومة الحرب..

لكن يبقى ملفتاً، وكما ذكرنا، هو هذا الاهتمام الزائد بدور المصرف المركزي، لدرجة أن متابعة أخباره وبياناته وتصريحات حاكمه، باتت الشغل الشاغل للناس والإعلام.. وكادت تطغى على أخبار الحدث الأساس الذي تعيشه البلاد.. أو أنها طغت بالفعل.. لذلك نعود للسؤال السابق: ما دلالات ذلك..؟، وما الذي يرمي إليه النظام من إيلاء كل هذه الأهمية لمؤسسة، كلنا يعلم، أن دورها لا يتعدى دور الخازن لأموال البلد، وليس المقرر لسياساته الاقتصادية والمتحكم بها..؟!

السر يكمن بأن النظام اكتشف أهمية المصرف المركزي بالصدفة أو بضربة حظ كما يقال.. والدليل أن المركزي ظل صامتاً من العام 2011 وحتى منتصف العام 2014، عندما بدأت الليرة السورية تنهار بشكل متسارع، وعندما قرر النظام الموازنة بين اقتصاد الحرب واقتصاد الدولة بعد أن اتضح له أن الأزمة ستطول أكثر من المتوقع..

وقد شهد العام 2014 كذلك خسارة النظام لأهم مصدرين اقتصاديين لخزينته، وهما النفط ومحصول القمح.. مما زاد من مأساوية الأوضاع الاقتصادية، وزاد من الضغوط على الليرة السورية..

لقد وجد النظام أن الحل الأمثل لمواجهة هذه الضغوط، هو بتلزيم المصرف المركزي هذه المسؤولية وذلك عبر التصريحات وإيهام السوق بأنه لايزال المتحكم بسعر الصرف والقادر على فرض سياسته..   

لذلك نجد اليوم أن الليرة السورية ليس لها من سند سوى تصريحات حاكم المصرف المركزي، وصمت الحاكم لمدة أسبوع يعني تعرض الليرة للهبوط من جديد..

باختصار، هذا ما يسمى بالعامل النفسي والدعائي.. وهو طريقة تؤتي مفعولها في حالات الفوضى، حيث تكون الفاعلية لمن يملك السيطرة الإعلامية.. لذلك نجد أن المركزي دائماً كان يعبر عن انزعاجه من الصفحات التي تقدم أسعار الصرف كـ "سيرياستوكس أو الأسهم السورية" وصفحة "البورصة السورية".. لقد لعبت هذه الصفحات في الفترات الماضية دوراً كبيراً في التحكم بأسعار الصرف، وعندما لم يستطع المصرف المركزي مقاومتها، حاول أن يلعب دوراً مواجهاً لها.. وأفضل طريقة للمواجهة هي الحضور الدائم في السوق وفي الإعلام.. لهذا اقتضى الأمر أن يكون للمركزي كل يوم خبر ولحاكمه كل يوم تصريح..

ترك تعليق

التعليق