من رمضانيات درعا.. راتب موظف يكفي لـ 3 "طبخات مقلوبة"

للمرة السادسة، يدخل رمضان إلى درعا في  الجنوب السوري، والأهالي يعيشون ويلات الحرب الدائرة هناك، ومنعكساتها السلبية تؤرق حياتهم، وتلقي بظلالها السودواية على تفاصيلهم اليومية، ما غيب الفرح، وأبسط الطقوس الاحتفالية المعتادة لاستقبال شهر رمضان الفضيل، التي كانت تقام له في السابق، الاحتفالات والتحضيرات، التي تليق بضيف كريم يأتيهم بالعام مرة واحدة، جالباً معه الخير والبركات.

وقال عبد القدير، وهو شاب يحمل إجازة جامعية، إن "غياب الفرحة عن رمضان رغم أهميته الدينية، تعود إلى الأوضاع المأساوية التي فرضتها الحرب المستعرة في البلاد منذ عدة سنوات، والتي لم يعرف حتى اليوم أي أفق لإنهائها، زاد عليها ظروف المواطنين الاقتصادية السيئة جداً، وتوقف حركة العمل والإنتاج، وضعف الدخل والموارد الاقتصادية، وتقزم الليرة أمام الدولار، وفقدانها الكثير من قيمتها الاقتصادية، كل ذلك أثقل كاهل المواطنين".

وأضاف أن "العامل الأبرز في غياب الفرحة عن الأيام الرمضانية، هو ما يعانيه الأهالي من حزن كبير، نتيجة ممارسات النظام، وغياب الأحبة، بسبب الأعمال الإجرامية لقوات النظام، وعمليات  القتل الممنهج  والاعتقال والتغييب السري والتهجير  القسري، التي لجأ إليها النظام على مدار السنوات الماضية، ما أفقد الكثير من العائلات معيلها الأساسي، وأودى بمن كانوا بكنفه إلى الشوارع بلا أي إمكانيات مادية أو أي آفاق أخرى، عرضة لكل ما هو متوقع وغير متوقع، في مثل هذه الظروف الصعبة".

فيما رد مؤيد، وهو شاب يعمل بالتجارة، كل ما سبق, إلى "قلة إمكانيات المواطنين وحالة الفقر والغلاء الفاحش لكثير من المواد الأساسية، في ظل غياب كبير لكل أشكال الرقابة، سواء من الجهات الثورية على الأرض، أو بسبب غياب الدافع الديني والأخلاقي"، لافتاً إلى أن تربية الناس قد تغيرت بسبب الحرب وأصبح التربح بغض النظر عن طرقه وأساليبه، حقاً مشروعاً من وجهة نظر بعض الناس.

وأضاف مؤيد: "إن التاجر يحمل آلته الحاسبة عندما يرتفع  سعر الدولار أمام الليرة، ويسعر كل سلعه وفقاً لسعر الصرف الجديد، حتى لو كانت السلع والمواد قديمة"، مشيراً إلى أن الأمر لا يحدث عكسياً عندما تهبط قيمة الدولار، وحجة التاجر دائماً أنها اشترى مواده بالدولار، وهو الرابح الوحيد دائماً، والخاسر هو المواطن، لافتاً إلى أن أسواق المناطق المحررة تشهد حركة ضعيفة خلال شهر رمضان الحالي، وإقبال المواطنين على الشراء أقل مقارنة مع السنوات الماضية، وهو ما أكده أيضاً عدد من المواطنين لـ "اقتصاد"، والسبب دائماً ضعف الإمكانيات المادية، كما يقولون.

ويستطرد مؤيد بأن "السلع والمواد الأولية تشهد ارتفاعاً بالأسعار، مع كل لحظة، وفقاً لصعود الدولار، والأسعار غير ثابتة لأن التاجر لا يريد ذلك، ودائماً يضع المسوغات والمبررات، كعدم توفر السلع من مصادرها والمبالغ الكبيرة التي تدفع كرشوات لتمرير بعض السلع على حواجز النظام وغيرها من المبررات لرفع الأسعار".

أحمد، موظف في مديرية التربية، قال: "تعودنا في رمضان أن تترافق الرحمة مع العبادات، وكان الناس في السابق أكثر قرباً من بعض، لكن الآن تغير كل شيء، حتى الطقوس الرمضانية انحسرت، فلا بهجة ولا تحضيرات ولاحركة أسواق لساعات متأخرة كالعادة، حتى الشعور بالأمان رغم حالة الهدوء السائدة لم يعد متوفراً".

وأضاف: "حتى السهرات الرمضانية غائبة عن الليالي الرمضانية، والأكلات المعهودة التي تعودنا وجودها "كالمقلوبة" و"المنسف" والحلويات، أبرز الغائبين عن موائد معظم الأسر الحورانية، وأصبحت ضرباً من التمني لغالبية الأسر"، لافتاً إلى أن ضيق ذات اليد، وغلاء الأسعار والمواد، هي السبب في ذلك.

وعقّب أحمد: "إن أي وجبة من الطعام تحتاج إلى مبالغ كبيرة، فوجبة "المقلوبة" لأسرة تتكون من 8 أشخاص مثلاً، تكلف نحو تسعة آلاف ليرة سورية على الأقل، وهذا المبلغ كبير جداً"، لافتاً إلى أن راتبه الذي يتقاضاه يكفي تكاليف ثلاث وجبات مقلوبة فقط.

أما عبد الله، وهو مزارع، فقال بلهجة حورانية: "كل شيء ولع بحوران"، وكل المواد ارتفعت أسعارها، حتى المواد المنتجة محلياً زاد سعرها في رمضان، فالحليب ومشتقاته ارتفع بنسبة 25 بالمائة، ففي حين كان سعر الكغ من الحليب 100 ليرة سورية، أصبح في رمضان بـ150 ليرة سورية، وكذلك الجبنة البلدية ارتفعت من 500 ليرة للكغ إلى 625 ليرة سورية، واللبن الرائب إلى 175 ليرة سورية، أما اللحوم فقد ارتفع سعر الكغ من لحم الغنم من 2800 ليرة سورية إلى 3 آلاف ليرة سورية، والبقر كذلك، وهو لا يتوفر في بعض المناطق، أما الفروج فبلغ سعر الكغ نحو 1000 ليرة سورية في معظم المناطق.

فيما أكد غسان، وهو تاجر يتنقل عبر كل المناطق بما فيها الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، أن "هناك تفاوتاً في أسعار المواد الغذائية"، لافتاً إلى أنه يمكن تحديد ثلاثة أنواع أو زمر للأسعار في مناطق درعا، وذلك وفقاً للبعد عن مراكز المنشأ والإنتاج، ووفقاً لأجور النقل وعوامل الحصار والمرور على الحواجز، فمثلاً، وصل سعر الكغ من التمر في مناطق حوض اليرموك إلى 1200 ليرة سورية، وفي المناطق المحررة الأخرى إلى 1000 ليرة سورية، فيما يصل سعره في مناطق النظام إلى أقل من ذلك، وكذلك الحلاوة والمربيات بأنواعها والسمون والزيوت، فهي تتفاوت بنسب عالية بين منطقة وأخرى.

وأضاف أن التفاوت  بالأسعار يبدو جلياً وواضحاً بين مناطق النظام من جهة، وبين المناطق المحررة  من جهة أخرى، وبين المناطق المحررة، التي تخضع لظروف منع دخول البضائع، كمنطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي من جهة ثالثة، وذلك بنسب مئوية تصل بين منطقة وأخرى إلى أكثر من 25 بالمائة،  مشيراً إلى أن الأسعار في مناطق حوض اليرموك هي الأعلى دائماً، لكثير من المواد الاستهلاكية، فيما تشهد انخفاضاً كبيراً في أسعار الخضار المنتجة محلياً، كالبندورة والخيار والكوسا والفاصوليا والملوخية والبطيخ والأناناس، في حين ترتفع أسعار تلك  الخضار في المناطق الأخرى عنها في المنطقة الغربية، بنسب تتراوح ما بين 25 بالمائة إلى 50 بالمائة.

هي بعض الأجواء الرمضانية التي يعيشها أهالي محافظة درعا، في ظل حرب اغتصبت وخربت كل شيء، بدءأ من المادي إلى الروحي، وألقت بظلالها السوداوية على أبسط مكونات حياة الناس اليومية، ليصبح البحث عن القوت اليومي، هو الشغل الشاغل لمعظم السكان.


ترك تعليق

التعليق