الليرة كالأرض والشعب في "سوريا الأسد"


الليرة السورية كما الشعب السوري ضحية من ضحايا مذبح نظام الأسد الذي لم يوفر أي أساس أو رمز من مكونات الدولة السورية إلا وضمه لقائمته الإجرامية الحمراء.. ولكن أي ضحية في عرف "الأسد" يمكن أن تكون بنفس الوقت أداة يتم استخدامها في سبيله، في سبيل بقاء الأسد!!
 
وإذ لا يمكننا أن ننسَ كيف كان جزء من الأرض السورية أحد ضحايا هذه القائمة منذ حرب عام /1967/، عندما كان (حافظ الأسد) وزيراً للدفاع، ويتربع على رأس المؤسسة العسكرية الحاكمة في الظل آنذاك، فإنه لا يمكن أن ننس في الوقت نفسه كيف تحول استرجاع هذا الجزء من الأرض، والتي كان التخلي عنه وسيلةً وثمناً للوصول إلى الحكم، استرجاعه حتى " آخر شبر"، تحول إلى هدف مقدس للنضال ومعارك التحرير التي يقودها الرفيق المناضل الفريق (حافظ الأسد)، والتي لم تتضمن سوى حربٍ يتيمة في تشرين الأول/1973، الحرب التحريرية التي كانت بالنسبة للسوريين الأكثر تكلفة من حيث الخسائر في البنية التحتية والجنود والتوظيف السياسي.

كما بقي " آخر شبر" هذا معرقلاً لمسيرة "ماراثونية" في البحث عن السلام على مدار عقود حكم ذاك المناضل.

أما الشعب، فقد تم تقسيمه إلى طبقة كادحة في مواجهة طبقة أخرى إقطاعية وبرجوازية مستغلة لخيرات البلاد والعباد، ليبرر دعس هذه الأخيرة باستخدام بعض من فئات الأولى تحت شعارات اشتراكية ثورية كان لابد من رفعها في طريق امتلاك مصير الدولة بيد من حديد عبر نظرية الحزب القائد، والذي تم تصحيح مسيرته الثورية تلك عبر الكشف عن اللثام العلوي بصراحة ووضوح في عام /1970/ مقابل مصالحة متدرجة مع واقع برجوازي فقد جذوره الأصيلة وانحنى ساقه للأسياد الجدد، ليتحول العداء بعد ذلك إلى عدو آخر، ولكنه من هذا الشعب أيضاً، وبعد ضم جزء من المنحنين والراكعين الجدد، وتحت شعار وعهد ثوري لم يسبق له مثيل، بالتصدي للإمبريالية والصهيونية والرجعية وسحق أداتهم المجرمة عصابة الأخوان المسلمين العميلة، تم إزالة أهم السمات والمرتكزات الاجتماعية والدينية التي كانت تميز الشعب السوري الأصيل، ودائماً بقيادة القائد الأوحد المؤله إلى الأبد (حافظ الأسد) وتطبيقاً لمقولته الشهيرة "لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية".

بالطريقة نفسها تم التعامل مع الليرة السورية مرآة ثروات البلاد، فلدرء الفتنة بين الأخوين القائدين الأسديين: حافظ ورفعت، خرج الأخير بما تيسر له من الاحتياطيات النقدية في مصرف سورية المركزي.

ثم ورداً على مضايقة طائرة سورية كان فيها أحد "أركوزات" البعث اليساري من قبل الطيران الإسرائيلي، تم التخطيط على عجل لردٍ في (لندن)، أفضى إلى الكشف بعد عشرات الآلاف من الضحايا عن أن "سوريا الأسد" دولة إرهابية يجب معاقبتها، وقد تم ذلك عبر فرض الحظر الاقتصادي، الذي شكل غطاءً لكل أنواع اللصوصية من قبل السلطة.

فبذريعة حماية الاقتصاد الوطني والعملة الوطنية تم تشكيل المحاكم الاقتصادية المرعبة، وفرض الرقابة على القطع بصورة احتيالية، أدت إلى تضاعف الدولار "دزينة" من المرات في عهد الأسد الأول صاحب الرأس الأكبر في تاريخ سوريا، والتي سرعان ما وجدت لها مكاناً على ورقة نقدية من فئة الـ/1000/، لتصبح رمزاً اقتصادياً بديلاً عن ورقة الـ/500/ الشهيرة، التي كانت أغلى ورقة نقدية في المنطقة على مدار ربع قرن منذ عام /1958/، والتي حملت في دلالة على رفعتها لقب (أم الطربوش) في عاصمة البلاد الاقتصادية.

في زمن الأسد الثاني الصغير، اختلفت المسميات والسياسات المعلنة قليلاً، ولكن الجوهر وأدوات السيطرة بقيت هي نفسها، وذلك مع عملية تطوير وتحديث تم الكشف عنها مبكراً، لتجعل من الوريث الطويل في أول سنة من حكمه قائداً لمسيرة الحزب والشعب، مما سرع بإصابته بحالة تيه خارجية أوقعته في تراجع إقليمي بارز، حاول التعويض عنه داخلياً عبر الإسراع في مواجهة القوى المعارضة، أمنياً، وبالإصرار على تطبيق ما سمي "الإصلاح الاقتصادي" ثم "اقتصاد السوق الاجتماعي" محل "التقدمية والاشتراكية" مع ازدواجية الحفاظ على مسمى الحزب القائد للدولة والمجتمع، والذي غدا مجرد مسرح دمى تحركه المؤسسة الأمنية من وراء الكواليس كيفما تريد؛ وذلك كله ليَسهُل على الطبقة الحاكمة الكشف عن لثامها "البرجوازي" هذه المرة، البرجوازية التي لم تكن سوى عملية كبرى لغسل الأموال بطريقة مراهقة تستهدف المزيد من المال والسلطة، في إطار حزب أمني غدا أكثر الأحزاب رجعية في المنطقة، مما أدى –وباستخدام تعابير بعثية يسارية- إلى خلق طبقة برجوازية-رجعية، استغلت الشعب الكادح، وكان لابد -وفق رؤية تقدمية حقيقية- من قيام ثورة شعبية تطيح بالطغمة الحاكمة؛ وتقيم نظام اشتراكية الحرية والكرامة، ثورة حقيقية، هي الأولى في تاريخ سوريا المستقلة.

وبالطبع لم يكن غريباً أن يعتمد الابن في مواجهة هذه الثورة على وسائل أبيه في الحفاظ على الحكم الدموي، ولكنه كان استخداماً أكثر ابتكاراً، وعلى نطاق أوسع؛ فتم البدء بالأرض حيث قام بالتنازل عن قرىً وبلداتٍ ومدناً ومساحات واسعة في الشمال، ليضمن انشقاق فئة عن أخرى، مستكملاً تقسيم باقي الشعب بين مواطن وإرهابي، مستخدماً بيئته الحاضنة في تركيز وسائل وأدوات القتل والتدمير والاختراق والتآمر الداخلي والخارجي على الجزء الذي اعتبره بيئة الإرهاب الحاضنة؛ في ظل حرب محمومة عبثت فيها المصالح الإقليمية والدولية، وتحول فيها مصير الملايين من السوريين إلى مجرد ورقة لعب ومساومة، ودائماً حتى تحرير "آخر شبر" خارج عن سلطة سوريا الأسد.

حتى الليرة، وكما في عهد الأب صاحب الرأس الكبيرة، غدت ضحية وأداة بنفس الوقت، ضحية في قيمتها وهيبتها حيث تضاعفت قيمة الدولار خلال سنوات من السعي إلى حمايتها "دزينة" أخرى من المرات، كما كانت أداة في المعركة من أجل الحفاظ على السلطة وسرقة الثروات، والتلاعب بمصير جميع من بقي في سوريا، بمن فيهم من رضي أن يبق من الراكعين المسبحين بحمد طويل الرقبة.

وهكذا كانت الليرة وذريعة حمايتها وسيلة استنزاف لمقدرات الدولة من الاحتياطيات النقدية لصالح أفراد نخبته الحاكمة تارة، ثم سحب مدخرات المواطنين تارة أخرى، بل واستجداء الدعم الخارجي أيضاً، لتنضم الليرة والتي تشكل اليوم الرمز الوحيد الذي ما زال يجمع السوريين بالدولة السورية إلى ركني هذه الدولة الأساسيين: الأرض والشعب، في حفلة حمراء طويلة لضحايا وأدوات بقاء الأسد، إلى الأبد.

ترك تعليق

التعليق