لاجئون سوريون في ألمانيا يريدون العودة لبلادهم دون جدوى

قبل تسعة أشهر، وبعد أن سوى جيش النظام الحي الذي يقطنه بالأرض، كان محمد تواقا لشق طريقه الى ألمانيا.

هو الآن يشعر بذات التوق للعودة الى سوريا، لعدم تمكنه من احضار زوجته وأطفاله الثمانية.

لكنه يخشى أن يكون من المستحيل خوض الطريق الوحيد -غير الشرعي- الذي يمكنه من العودة.

محمد، الذي كان يعمل في مزرعة في ضواحي دمشق، هو أحد مئات اللاجئين السوريين الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم، وذلك لأن عملية جلب أسرهم تستغرق وقتا طويلا. لذا فقد وجدوا أنفسهم عالقين في أوروبا.

وبينما يحصل طالبو اللجوء من أفغانستان والعراق على دعم مالي وتنظم لهم رحلات جوية لإعادتهم إلى بلادهم، تقول الحكومة الألمانية والمنظمة الدولية للهجرة إنهم لا يستطيعون إرسال السوريين إلى مناطق الحرب.

ولا تنظم ألمانيا رحلات جوية إلى سوريا بسبب الحرب الدموية الدائرة هناك، كما هو الحال في الدول المجاورة.

كما تصعب تركيا إجراءات الحصول على تأشيرات دخول، ويرفض لبنان استقبال السوريين الذين غادروا البلاد بشكل غير قانوني عبر تركيا.

ويترك ذلك أملا ضئيلا لعشرات السوريين الذين يتقدمون بطلبات مغادرة منذ بداية العام، وفقا لوكلاء سفر وموظفين في برامج إعادة المهاجرين.

"جئت هنا فقط من أجل مستقبل أبنائي"، حسبما قال محمد، الذي اشترط ذكر اسمه الأول فقط لأنه يخشى انتقام النظام السوري من عائلته.

واضاف "اذا لم يأت أبنائي إلي، فمن غير المنطقي بالنسبة لي أن أكون هنا."

وبجسد ممتليء وعيون متعبة، يبدو عمر محمد أكبر بكثير من الحقيقة، 45 عاما، حيث جاء لأول مرة إلى ألمانيا بسبب صعوبة ظروف معيشة أبنائه حيث كانوا يتغذون على الأعشاب المغلية التي تقوم زوجته بتحضيرها لهم.

لذلك اضطر لدفع أموال لمهربين كي ينقلوه عبر البحر المتوسط على متن زورق صغير هش للوصول إلى البلقان، على أمل العثور بسرعة على وظيفة وجلب عائلته.

وحصل محمد على حق اللجوء في المانيا في مارس/ آذار الماضي.

لكن زوجته تهاتفه يوميا وتبكي وتتوسل إليه كي يعود.

ولا تمتلك زوجته أموالا لإطعام سبع بنات وابن واحد، هو مروان يبلغ من العمر 12 عاما، والذي ترك مدرسته لبيع الخضروات.

وقال إنه اشترى تذكرة طائرة الى بيروت في أبريل/ نيسان الماضي، لكن الشرطة الألمانية لم تسمح له بالصعود على متن الطائرة.

وقبل أسبوعين، حاول محمد السفر إلى أثينا، إلا أن الشرطة أوقفته مرة أخرى.

وقال، بينما كان يغطي وجهه بيديه، إنه سيظل يحاول حتى يجد وسيلة للخروج.

وبالرغم من أنه لا أحد لديه أرقام دقيقة، فإن المقابلات مع مسؤولي الحكومة والعاملين في القضية ووكلاء السفر وعشرات اللاجئين أنفسهم تظهر أن عدد السوريين الذين يغادرون ألمانيا ينمو باطراد.

علاء هدروس، الذي يدير وكالة غولف رايزن للسفر في برلين، بدوره قال إن ما بين خمسة وعشرة أشخاص يأتون إلى مكتبه يوميا يسألون عن سبل للخروج من ألمانيا.

في بداية العام، كان المعدل يزيد عن 20 شخصا يوميا، لكن البعض أدرك الآن أن هدروس لا يستطيع مساعدتهم.

وأضاف هدروس "لدينا هنا كثير من اللاجئين السوريين الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم، لكن الأمر صعب جدا لتحقيق ذلك بأي شكل من الأشكال".

وقال هدروس إن معظم السوريين يحاولون الآن حجز تذاكر سفر من ألمانيا إلى أثينا، وبعد ذلك يستأجرون مهربين لمساعدتهم في التنقل عبر الحدود اليونانية التركية بشكل غير قانوني لكي يتمكنوا في نهاية المطاف من العودة إلى وطنهم.

وأضاف هدروس "إنه ليس طريقا قانونيا وبالتالي لا يمكننا تقديم ذلك كوكالة سفر.. يمكننا فقط حجز رحلات لهؤلاء الذين بحوزتهم وثائق سفر صالحة لأثينا.. ولكن لا نريد أن يكون لنا أي علاقة بالطريق من أثينا إلى سوريا".

وأكد عدد من المهاجرين للأسوشيتد برس أنهم يعتزمون استخدام هذا الطريق، مشيرين إلى أنهم اشتروا أو سيشتروا تذاكر طيران لأثينا من مهربين في برلين، بالرغم من أنهم ليس لديهم أية وثائق سفر لأن السلطات الألمانية لم تعد لهم جوازات سفرهم بعد.

وبالرغم من أن برلين وأثينا جزء من منطقة حرية التنقل دون جوازات سفر (شنغن)، فإن شركات الطيران لا تزال تحتاج إلى رؤوية وثائق سفر صالحة.

وجاء أكثر من 420 الف لاجئ سوري إلى ألمانيا العام الماضي، وتحصل غالبيتهم في نهاية المطاف على وضعية اللجوء. لكن التدفق الكبير يجعل هذه العملية تستغرق شهورا إن لم يكن شهورا، ناهيك عن مئات الآلاف من طلبات لم شمل الأسر.

وفي وقت سابق هذا الشهر، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية "نعرف مدى أهمية ذلك الأمر لهؤلاء الناس الذين لديهم أمنية واحدة وهي التئام شملهم مع أسرهم بأسرع وقت ممكن".

وأضاف المتحدث مارتن شيفر إن الحكومة زادت من عدد موظفيها بسفاراتها في الشرق الأوسط لتسريع عملية الحصول على التأشيرات لأعضاء الأسر السورية.

وتزايد عدد العاملين في السفارة الألمانية بالعاصمة اللبنانية بيروت لإصدار التأشيرات من 5 آلاف شخص عام 2012 إلى 30 ألف.

ولكن بسبب الحرب، لم تعد هناك سفارة لألمانيا في دمشق، وهو ما يصعب على الكثير من الأسر السورية التقدم بطلبات للحصول على تأشيرات في المقام الأول.

ويقول العديد من السوريين إن الانفصال الطويل عن أبنائهم وزوجاتهم لا يحتمل، بينما لا يتمكن آخرون من التأقلم مع الحياة في ملاجئ مزدحمة، حيث لا يستطيعون العمل طوال عملية النظر في طلب اللجوء. ولكن آخرين يقولون إنهم ببساطة يشعرون بالحنين للوطن.

تقول سيلفيا كوستنر، المتحدثة باسم مكتب لاغيسو في برلين الذي ينظم العودة التطوعية للمهاجرين "إنهم بشكل أو بآخر عالقون في ألمانيا. بالطبع يمكنهم المحاولة للخروج من خلال عدة طرق مختلفة، لكن بعضهم يقوم بذلك فقط لأنهم يفتقدون عائلاتهم للغاية، لكننا لا نستطيع تحمل مسؤولية مساعدة هؤلاء الناس على السفر عائدين إلى منطقة حرب."

عبد الله الحموي، لاجئ سوري وتاجر أقمشة كان يبيع القفاطين في السوق القديم لمدينة حلب قبل تدميرها، قال إنه بالأساس استقر في اسطنبول. لكنه انتقل إلى ألمانيا في 2014، مع زوجته وابنه الرضيع، على أمل الحصول على تعليم وحياة أفضل.

وبعد نصف عام في ملجأ مع 400 مهاجر آخر، دون الحصول على لجوء، أو عمل، وبتقديم ثلاث قطع من الخبز والزبد والمربى على الإفطار يوميا لهم، يقولون إنه طفح الكيل بهم ولا يستطيعون احتمال الأمر أكثر من ذلك. ويشكون من أنهم يقفون في طابور طويل لأيام فقط للحصول على أموال نقدية للمعيشة.

تقول زوجة الحموي، دانيا رشيد، وهي تضم بطنها الحامل الكبير بيديها "حتى الآن، لم أر أي شيء حسن هنا. كل شيء صعب، يريدون أوراقا هنا، وأوراقا هناك، يقولون لنا أن نذهب إلى هنا وإلى هناك، العلاج سيء، إنها ليست الحياة التي اعتدنا أن نعيشها في سوريا."

الزوجان الشابان عاشا لمدة أيام دون تدفئة في منتصف الشتاء. ويحصلون على 330 يورو (368 دولارا) شهريا، وقالا إن أفراد الأمن يدخلون غرفتهم الصغيرة ليلا ونهارا. الحموي، شاب نحيل شاحب تحت عينيه دوائر سوداء، يضطر إلى مصاحبة زوجته إلى دورة المياه كل مرة خوفا من الأغراب من حولهم.

ولا ينتظر حل هذه الصعوبات قريبا في أي مدينة ألمانية يعاني فيها الآلاف، من المواطنين والمهاجرين، من نقص حاد في السكن. كان الحموي قد ادخر بالفعل الأموال التي يطلبها المهرب لإعادتهم إلى اسطنبول، 300 يورو لكل شخص من برلين إلى أثينا، و1500 يورو أخرى لنقلهم جميعا إلى تركيا.

وقال الحموي "بمجرد ولادة ابنتنا، سنجد وسيلة للخروج من هنا والعودة إلى اسطنبول. على الأقل يمكننا هناك العيش بكرامة والعمل، هنا لا نتمتع بأي احترام."

سبيرو حداد، مصور وصحفي، واحد من أولئك الذين نجحوا في العودة إلى سوريا. بعد أن فقد منزله، غادر سوريا في يونيو/ حزيران العام الماضي وتوجه إلى النمسا. ظل هناك لستة أشهر وأنفق 4500 يورو. لكنه سرعان ما أصبح محبطا، من بين أسباب أخرى، لأنه لم يستطع إحضار والدته، لذا طلب من مكتب حقوق الإنسان في النمسا السماح له بالعودة إلى الوطن.

وقال "حاولوا إقناعي بالبقاء، لكنني رفضت."

في النهاية، أعطوه تذكرة إلى اسطنبول ولبنان. وسمح له لبنان بالدخول بالرغم من أنه في الأصل غادر بشكل غير قانوني إلى تركيا، لأنه أظهر للمسؤولين بطاقته كصحفي. ثم قاد إلى منزله في دمشق."

وقال "فقدت كل شيء في سوريا وحاولت تحسين ظروفي. للأسف، فقدت أكثر بكثير. معظم الناس يفضلون العودة لأنهم لا يتحملون الأمر."

ترك تعليق

التعليق