بالصور: قصة أحد أكبر المشاريع لتوثيق الذاكرة العقارية والقضائية للسوريين في المناطق المحررة

بعد قيام الثورة السورية وخروج الملايين من السوريين إلى الشوارع والساحات على امتداد سوريا في مظاهرات سلمية مطالبين بالحرية وإسقاط نظام الأسد لم يعدم النظام وآلته الأمنية أي وسيلة للانتقام من السوريين مستخدماً القمع والتنكيل والاعتقال واقتحام المدن الثائرة وقصفها وتدميرها وتدمير مؤسساتها المدنية وتهجير سكانها وحرق وإتلاف كافة السجلات المدنية العقارية وملفات المحاكم التي تثبت حقوق الناس وملكياتهم العقارية في تلك المدن والبلدات قاصداً العبث بالديموغرافية السورية وإحلال المرتزقة الإيرانيين مكان السكان الأصلين لتلك المدن كما فعل في مدينة حمص ودرعا في بدايات الثورة ملصقاً التهمة في تدمير تلك الدوائر والمحاكم بالمتظاهرين.


"تجمع المحامين السوريين الأحرار"، وهو منظمة مرخصة في تركيا ولها فروع في الداخل السوري، كان إحدى الجهات التي تنبهت لهذا الخطر المحدق الذي يهدد حقوق الناس وملكياتهم العقارية تنفيذاً للمشروع الإيراني في سوريا.


فأطلق عبر رئيسه، المحامي غزوان قرنفل، مشروع التوثيق الوطني لحفظ السجلات العقارية وملفات المحاكم في المناطق المحررة الخارجة عن سيطرة النظام، لإنقاذ ما بقي من سجلات عقارية وملفات قضائية ونقلها وحفظها في مكان آمن بعيداً عن القصف من قبل النظام، كفكرة أولية للمشروع وفق ما أفاد به المحامي غزوان قرنفل لـ "اقتصاد" في حديثه عن مشروع التوثيق الوطني.


وبحسب قرنفل، كانت أولى العقبات التي واجهتهم بعد إعداد المشروع، هي تأمين الدعم اللازم، وبعد التواصل مع أكثر من جهة ومنظمة لدعم المشروع لم يدرك أهمية المشروع سوى منظمة (اليوم التالي)، التي تبنت تمويل هذا المشروع وأعماله وتدريب الكوادر من المحامين الذين سيقومون بتنفيذ المشروع داخل المناطق المحررة في الداخل السوري، بالاضافة لتأمين الأجهزة والمعدات اللازمة من حواسيب محمولة وكاميرات رقمية لإنجاز عملية النسخ والحفظ والتصوير وغيرها من الأمور التقنية.


ووفق قرنفل، تكمن أهمية مشروع التوثيق الوطني بأنه أول مسعى من رجال قانون سوريين يهدف لحفظ حقوق الناس وملكياتهم العقارية من العبث ومن التدمير والتلف، وبالتالي في ظل هذه الظروف عندما تحفظ مئات الآلاف من السجلات التي تؤكد ملكية الناس لتلك العقارات أو تؤكد وجود حقوق ناس في ملفات المحاكم المتداعى بها أو ضمن قرارات قضائية منجزة، نكون قد حفظنا حقوق الناس للمستقبل عندما يعودون إلى بلدهم ولا يفقدون تلك الحقوق.


وشرح قرنفل، أنه فيما يتعلق بالسجل العقاري تم نسخ السجلات العقارية في مناطق (حارم وإعزاز ومنبج والأتارب وسراقب والنواحي والقرى والتابعة لها)، وبالتالي حفظ مئات الآلاف من الملكيات العقارية والحقوق العينية المترتبة على تلك العقارات.


وفيما يتعلق بملفات المحاكم، قال قرنفل: "نفذنا في مناطق أكبر وأوسع مقارنة بما يتعلق بالسجلات العقارية، حيث وثقنا وأرشفنا سجلات الكاتب بالعدل وسجلات حصر الإرث الشرعي والقانوني، وسجلات صكوك الزواج، وكافة الأحكام القضائية الشرعية وخصوصاً المتعلقة بالوصاية وأموال اليتامى ودعاوى تثبيت الزواج والمخالعة الرضائية، إضافة الى الأحكام المدنية التي تتضمن حقوق للناس سواء فيما يتعلق بالعلاقات الايجارية وتثبيت البيوع وغيرها من تلك القضايا".



وفي تفاصيل نشاطات المشروع ذاته، قال المحامي يوسف حوران، رئيس المكتب التنفيذي لهيئة "محامو حلب الأحرار"، ومدير مشروع التوثيق في مدينة حلب، في تصريح لـ "اقتصاد": "تم الانتهاء قبل أيام من نسخ وتصوير وأرشفة حوالي 37000 ملفاً قضائياً مدنياً في مدينة حلب من أصل 150,000 ملف قضائي تم نقلهم من مبنى المحاكم المدنية بحي المواصلات بحلب إلى مستودعات أكثر أمناً".


وقد أعلمنا المشرفون على المشروع أن جزءاً من الملفات القضائية في حلب، أُتلف، ليس بسبب القصف وإنما بسبب سوء التخزين في مناطق رطبة، وعدم استجابة الحكومة السورية المؤقتة لنداءاتهم وطلباتهم بتقديم الدعم وتأمين مبالغ بسيطة لا تتجاوز 5000 دولار لإنشاء مستودع آمن لتلك الملفات.


ويقوم عمل المشروع كما أفاد المحامي يوسف حوران، على الخطوات الآتية: أولاً، يتم نقل عشرات الآلاف من الملفات إلى مستودعات صحية، ومن ثم يتم ترتيبها ثم العمل على توثيق وأتمتة وأرشفة الوثائق الكترونياً ورقمياً داخل (ذواكر رقمية) وعلى برنامج صمم خصيصاً لحفظ تلك الملفات بحيث يمكن البحث السريع عن أي ملف من خلال إعطاء أي معلومة عن الملف مثل (اسم أو رقم) وإيجاد الصورة الالكترونية للملف ومعرفة رقم الإضبارة ورقم الربطة ورقم الرف الموجود به الملف.



كما ساهم المشروع حسب قرنفل، بإيجاد موارد مادية للمحامين العاملين بالمشروع في المناطق المحررة إضافة لفائدته الوطنية الكبيرة والتي لا تقدر بثمن.

ويتقاضى المحامون العاملون على المشروع لقاء كل شهر عمل مبلغ 600 دولار أمريكي، وهو مبلغ قليل مقابل الأخطار الكبيرة التي يتعرضون لها نتيجة استمرار القصف المتواصل من قبل النظام لتلك المناطق.





ترك تعليق

التعليق