في ريف درعا الغربي.. القمح على مذبح الصراع مع "لواء شهداء اليرموك"، والنفط من المحرمات

أدت المعارك المحتدمة في ريف درعا الغربي، وتبادل الأطراف المتصارعة هناك القصف بالأسلحة الثقيلة، إلى احتراق مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بالقمح، المحصول الاستراتيجي الهام الذي يعتمده سكان المنطقة الغربية، كأحد الموارد الاقتصادية المدرة للدخل، إلى جانب زراعة الخضار، التي تشتهر بها المنطقة.

وأشارت مصادر مطلعة في  المنطقة إلى أن "مئات الدونمات المزروعة بالقمح أتت عليها النيران يوم الاثنين 16 أيار في بلدات الشجرة ونافعة وتسيل، التي تشكل ساحات القتال الأبرز في المنطقة، بين لواء شهداء اليرموك من جهة والجيش الحر من جهة أخرى"، لافتة إلى أن استمرار المعارك تزامناً مع نضوج القمح، سيؤدي إلى احتراق مساحات إضافية وتهديد كامل المحصول الزراعي في المنطقة  لهذا الموسم.

كما أشارت المصادر إلى أن "استمرار منع دخول المشتقات النفطية إلى المنطقة سيحرم المزارعين من حصاد محصول القمح ونقله، حيث ستتوقف الحصادات والجرارات ووسائل النقل عن العمل في ظل غياب أي وسائل بديلة لجمع المحاصيل الزراعية الموسمية"، موضحة افتقار المنطقة إلى أيدي عاملة مؤهلة  للتعامل مع المحاصيل الزراعية كما كان الناس في السابق، ما يعني بقاء المحاصيل في الأراضي الزراعية، وتحويلها إلى علف للحيوانات بأبخس الأثمان.

وأكد مصدر رفض الإعلان عن هويته لأسباب أمنية، أن دخول المشتقات النفطية إلى المنطقة الغربية بات يعتبر خطاً أحمراً، لا مجال للنقاش فيه بالمطلق، حيث تصر الفصائل المسلحة على استمرار هذا الإجراء للتضييق على لواء شهداء اليرموك، الذي تتهمه بجمع المشتقات النفطية من أسواق القرى التي يسيطر عليها لتشغيل معداته العسكرية التي يستخدمها ضد الجيش الحر في معاركه المستمرة معه.

وأضاف المصدر أن "عمليات فحص مشددة تتم لخزانات وقود وسائط النقل، التي يسمح لها بالعبور أحياناً،  تتم على الحواجز، حيث يتم  تقدير الكمية الكافية من المازوت أو البنزين لتشغيل السيارة للوصول إلى وجهتها فقط، ويتم تفريغ كميات الوقود الزائدة على الأرض مباشرة"، مشيراً إلى أن مئات اللترات من المشتقات النفطية تبتلعها الأراضي المجاورة للحواجز يومياً، خوفاً من وصولها إلى لواء شهداء اليرموك.

المزارعون في المنطقة الغربية ناشدوا كل القوى العاملة على الأرض، بضرورة وقف الأعمال القتالية فيها حتى يتم جمع محاصيلهم الزراعية، التي تشكل مصدر دخولهم الاقتصادية الوحيدة، والتي أنفقوا أموالاً كبيرة عليها.

وقال أبو علي (50 عاماً، مزارع): "ما ذنبي أن يذهب شقى عمري الذي أنفقت عليه مبالغ كبيرة وانتظرته عدة أشهر هكذا هباء"، لافتاً إلى أنه تحمل كل المصاعب لكي لا يترك أرضه بوراً، رغم غياب كل مقومات ومواد الإنتاج الزراعي الضرورية، وتحمل كل الظروف على الأقل من أجل تأمين مادة القمح الضرورية، لأنها الأساس في تأمين مادة الخبز.

فيما أكد أبو عيد، وهو مزارع نازح من منطقة أخرى في ريف درعا، أن خسائره المالية ستكون كبيرة، إذا ما استمر منع المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل الحصادات والدراسات والجرارات الزراعية، منوهاً إلى أنه  استأجر قطعة أرض /بالضمان/، وزرعها بالقمح، آملاً في تحسين وضعه الاقتصادي لعدم وجود أي مجال آخر للعمل.

وقال إن "عدم القدرة على الحصاد يعني بقاء المحصول في الأراضي الزراعية، وهذا يعني خسائر كبيرة"، معبراً عن أمله في أن ينظر أصحاب القرار على الأرض بحال المزارعين والفلاحين، ويعملوا على فتح الطرق، والسماح للحصادات بالدخول إلى المنطقة، وتأمين دخول المشتقات النفطية إليها، ولو حصرياً للحصادات ووسائل الإنتاج الزراعي، كما قال.

من جهته، قال عبد الحكيم، مهندس زراعي، إن "المنطقة الغربية من أهم المناطق الزراعية في حوران، بسبب خصوبة تربتها والظروف المناخية الملائمة لزراعة القمح"، لافتاً إلى أنه وعلى الرغم من قلة الأمطار الهاطلة هذا العام، إلا أن حالة محصول القمح كانت جيدة، ومبشرة بموسم جيد، لكن للأسف ما يحدث على الأرض نغص حياة المزارعين الذين بدؤوا يخشون أن تحترق محاصيلهم، تزامناً مع اشتداد المعارك في المنطقة.

وأضاف أن خسائر الفلاحين في المنطقة الغربية لم  تقتصر على محصول القمح فحسب، بل شملت محصول الخضار، والآن محصول البندورة الذي بدأ بالنضوج والوصول إلى الأسواق، لافتاً إلى أن الإنتاج من هذه المادة كبير وأن المزارع أنفق على زراعته مبالغ كبيرة أيضاً، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية وارتباطها بالدولار.

وأشار إلى أن "بقاء الطرق مغلقة في وجه حركة التنقل والعبور بين المناطق، من شأنه أن يعقد الأمور ويزيد من حجم الخسائر المترتبة على المزارعين، الذين استدان بعضهم مبالغ كبيرة أملاً في سدادها مع نهاية الموسم الزراعي وبيع المحصول"، مؤكداً أن أسواق المنطقة الغربية غير قادرة على استيعاب إنتاج المنطقة من مادة البندورة، التي كانت غالباً ما تغطي أسواق دمشق وأسواق المحافظات المجاورة.

يشار إلى أن المنطقة الغربية في درعا، والتي تعتبر من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في المحافظة الجنوبية، تشهد ومنذ عام ونيف معارك واشتباكات متقطعة بين جبهة النصرة وأحرار الشام من جهة، وبين لواء شهداء اليرموك المتهم بمبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، من جهة أخرى.. لكن هذه المعارك ازدادت حدة وضراوة، قبل أشهر، وذلك تزامناً مع قرار اتخذته فصائل الجبهة الجنوبية للجيش الحر، ودار العدل في حوران، يقضي بضرورة إنهاء وجود اللواء في المنطقة، الأمر الذي خيم بظلاله على حياة الأهالي في مناطق نفوذ لواء شهداء اليرموك، وفاقم من أوضاعهم المعيشية وزادها صعوبة.

ترك تعليق

التعليق