زراعة "الحواكير" تعود إلى الحياة في درعا

في ظل الحرب التي تعصف في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات، وما خلفته من ظروف شديدة الصعوبة، وبسبب حالة الفقر والأوضاع الاقتصادية السيئة لغالبية المواطنين، عادت معظم الأسر الريفية السورية ولاسيما في الجنوب السوري، إلى استخدام الحواكير والحقول الصغيرة لتمويل احتياجاتها من الخضار وبعض المزروعات.

ويقول الحاج عبد الله، 65 عاماً، إن "الحواكير في الأرياف كانت في الخمسينات من القرن الماضي، هي الممول الأساسي للأسرة من الخضار والفواكه، قبل أن تعرف المحلات التجارية التعامل بهذه المنتجات، حيث كانت الأسرة تزرع في الحاكورة بعض الأشجار المثمرة كالزيتون والرمان والكرمة والتين والليمون، إضافة إلى الخضراوات والنباتات، كالكوسا والبطاطا والفليفلة والبندورة والبصل والثوم والفول والبامياء والفاصوليا واللوبيا، وبعض الحشائش وكل احتياجاتها من الخضار والفواكه، كما أنها كانت تربي بعض الدجاج وبعض الأغنام أو الأبقار في ركن من الحاكورة، لتأمين البيض واللحم للاستهلاك المنزلي، وما يزيد عن احتياجاتها تعرضه للمقايضة أمام المنزل، حيث كانت هذه الخضار تقايض بالبيض لمن ليس لديه حاكورة، وإذا انقضى النهار، ولم تتم مقايضتها، ترسل لأحد المحتاجين من الأقارب أو الجوار، الذين لا يملكون أراضٍ زراعية أو حواكير، بلا مقابل".

وأضاف عبد الله، "مع تطور الواقع المعيشي، وظهور مهن جديدة وتوجه الناس إليها، قل الاهتمام بزراعة الحواكير، وبدأ الاهتمام بأعمال أكثر إدراراً للدخل، إلا أن بعض المزارعين الذين يملكون أراض شاسعة بقوا محافظين على أراضيهم، وتحول بعض منهم إلى زراعة مساحات كبيرة من نوع واحد من المنتجات الزراعية، أو عدة أنواع في مساحات كبيرة، ما جعل تجارة الخضار تزدهر، وتجد لها أسواقاً تُعرض فيها منتجاتهم من الخضار والفواكه المختلفة، وأصبحت تُنشأ لها محلات تجارية ليصبح مزارعي الحواكير هم من زبائن هذه المحلات".

واستطرد عبد الله، "مع تغير الظروف بسبب الحرب، وما رافقها من فرز جيش من الشباب عاطل عن العمل، وتوقف الكثير من المهن، بدأت العودة التدريجية إلى بعض المصادر القديمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث أصبح تأمين لقمة الخبز هو الشغل الشاغل لمعظم الناس، في ظل انعدام أي أفق لحلحلة الوضع وتحسن ظروف حياة المواطنين".

ويقول مؤيد، وهو مهندس زراعي، إن "زراعة الحواكير نشطت كثيراً في هذه الفترة، والإقبال أصبح كبيراً على شراء بذار الخضار، ولو أن عمليات الشراء تتم بكميات صغيرة"، لافتاً إلى أن عودة المواطنين إلى زراعة الحواكير، يعود إلى عدم وجود مصادر رزق ثابتة بسبب توقف دورة العمل والإنتاج نتيجة الحرب، التي أحرقت الأخضر واليابس واستهلكت كل مدخرات المواطنين، وحتى أموالهم الثابتة وغير الثابتة.

وقال مؤيد إن "هذه الزراعات لا تُغني، ولكنها تحقق الاكتفاء الذاتي على الأقل، وتلبي احتياجات الأسرة، التي في غالب الأحيان أصبحت لا تملك ثمن طعامها"، مشيراً إلى أن هذه الأعمال الزراعية باتت تحقق هدفين، أولهما قضاء الوقت بعمل مفيد وآمن، وثانيهما تأمين الاحتياجات اليومية من الطعام".

معمّر، 45 عاماً، موظف سابق فقد عمله في الأحداث بعد أن تم اعتقاله من قبل قوات النظام، يقول: "أسرتي مكونة من خمسة أفراد، وبعد أن فقدت وظيفتي وراتبي وهو مصدر دخلي الوحيد، حاولت البحث عن عمل يؤمن لي دخلاً يحفظ ماء الوجه على الأقل، فعملت بائع بسطة خضار، وبائع مشتقات نفطية، وعملت في مطعم، ولكن لم أوفق بعمل ثابت، ثم توجهت إلى الزراعة، حيث ورثت نحو ثلاثة دونمات عن والدي  فيها بئر سطحي قديم، وهي قريبة من منزلي، فبدأت بالاعتناء بالأرض وحراثتها وزراعة بعض الخضار حسب المواسم، والآن والحمد لله أجد ما اأفق منه، وتحسنت أموري بشكل أفضل".

ولفت معمر إلى أن "إنتاج أرضه يفيض عن حاجاته، وهو يؤمن بعض مصاريفه الإضافية، من خلال بيع ما يزيد عن احتياجاته، وبأسعار تقل عن الأسعار الحقيقية في السوق".

وأردف، "صحيح أن العمل متعب لكنه مسلٍ، والأمور أصبحت مستورة والحمد لله".

فيما عبّر عثمان، مزارع قديم، عن دهشته لارتفاع أسعار الخضار في منطقة زراعية، بالقول: "لم أتوقع أبداً أن تصل الأسعار في ريف درعا إلى هذه المستويات، لا أستطيع استيعاب أن يصل الكغ من الكوسا إلى 200 ليرة سورية والفول إلى 250 ليرة سورية والبازلاء إلى 300 ليرة سورية في ريف يعتمد في دخله على الزراعة"، لافتاً إلى أن العودة إلى زراعة الحواكير والإنتاج الذاتي، ستخفف من ارتفاع الأسعار وتحد منها، كما قال.

وأضاف عثمان، "لو زرع كل من يملك أرضاً صغيرة بعض الخضار، لما شهدت الأسعار هذا الارتفاع"، داعياً أهالي الريف إلى استثمار أراضيهم مهما كانت صغيرة بزراعة الخضار والنباتات المفيدة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي على الأقل من الخضار".   

أبو رامي، رجل خمسيني، يقول: "كنت أعمل في مواد البناء ولكن مع توقف هذه الأعمال، وتحت ضغوط الظروف التي تعيشها البلاد، هربت إلى الأردن، لكني لم أتحمل حياة الغربة، فعدت إلى بلدي أنا وزوجتي وطفلي الصغيرين، وكونه ليس لدي عمل، بدأت أستثمر حاكورتي المنزلية البالغة نحو دونم، أزرع فيها كل الخضار التي يمكن أن تنمو"، لافتاً إلى أنه تخلص من شراء الخضار من السوق، والتي لا يُعرف مصدرها أو بأي مياه تُروى".

وأضاف أبو رامي أنه "لا يبيع شيئاً من إنتاج حاكورته، بل يستخدم كل إنتاجه للاستهلاك المنزلي، ويقوم بتجفيف بعض الخضار لفصل الشتاء كالباميا والملوخية وغيرها فيما يقوم بتوزيع ما يزيد عن حاجته على الأقارب والجوار"، مضيفاً أنه زرع الكثير من الخضار لاستهلاكها في رمضان القادم، و"التي يتزامن نضوجها مع دخول الشهر الفضيل".

واستطرد أبو رامي: "إضافة إلى الخضار التي أقوم بزراعتها اشتريت نعجتين، واقتنيت عدداً من طيور الدجاج، لتأمين البيض والحليب"، لافتاً إلى أنه لم يعد يحتاج إلا لشراء بعض السلع الضرورية، كالسكر والشاي ومواد التنظيف والغاز المنزلي وبعض المواد الأخرى التي تُستخدم في الاستهلاك المنزلي، "أما مسألة الطعام فهي محلولة تماماً"، حسب وصفه.  

يُشار إلى أن الحواكير هي عبارة عن حيازات صغيرة من الأرض، عادة ما تقع بجانب المنازل، أو بالقرب منها، تكون مساحتها ما بين عدة أمتار مربعة إلى عدة دونمات، تقوم الأسرة بزراعتها ببعض الأشجار المثمرة وببعض الخضار والمزروعات للاستهلاك الذاتي، كما وتقوم في أحد الأركان، ببناء قن وحظيرة لتربية الطيور الداجنة، كالدجاج والإوز والبط وبعض الحيوانات كالغنم والماعز والأبقار، لاستخدام إنتاجها من الحليب واللحوم في الاستهلاك المنزلي للأسرة، وهو ما عاد إليه الناس اليوم.

ترك تعليق

التعليق