"قذائف الأسد" تعيد حكم "الزير سالم" على "النَّور" بالحلّ والترحال


أعادت الحرب السورية الدامية، التي دخلت الشهر الفائت، عامها السادس، إلى الأذهان، تاريخ "الزير السالم"، بعد أن فرضت قذائفها الطائشة على الصغير والكبير ترك منزله، والبدء برحلة حياتية "شاقة" مجهولة المصير، أساسها "الرحيل والترحال".

"النَّور" من أهل سوريا "الجريحة"، لم يسلموا هم الآخرون من ويلات الحرب، فقد اضطروا إلى ترك بيوت الشعر التي كانوا يعيشون فيها، رغم قيامها في سهول خالية، أرضها الثراء وسقفها السماء.

وتشير الروايات التاريخية أن أصول "النَّور" تعود إلى "بني مرة"، الذي انتقم منهم "الزير السالم" منذ قديم الزمان، بعد ثأره لأخيه وانتصاره على قوم جساس، وأمر بتشتيتهم في الأرض وحكم عليهم ألا يركبوا الخيل وألا يذوقوا طعم الراحة والأمن والاستقرار، وها هو "الأسد" (رئيس النظام السوري) يعيد تاريخ "الزير" ويجدد الحكم عليهم من جديد.


والتقت الأناضول عددًا منهم، قرب مدينة إربد شمالي الأردن، حيث أقاموا خيامهم في العراء، منعزلين بأنفسهم، متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم.

ويروي كبيرهم، خضر جميل الصالح (65 عامًا) للأناضول: "في البداية كنا ننتقل من مكان لمكان داخل سوريا، ثم جئنا منها وسكنّا في هذا الموقع الذي استأجرناه، أصلنا سوريون، ولنا لغتنا الخاصة التي لا أعرف أصلها، وقد ورثناها من أهالينا، ولا نعرف من أين أتت".


ويضيف الصالح "نعم نحن نَور، ونعود في أصولنا إلى بني مرة (...) وإمكاناتنا لا تسمح لنا أن نسكن بيوتًا عادية، ونحن مسلمون، وزواجنا شرعي، وعاداتنا لا تختلف عن الآخرين، ولكن حسب تقاليدنا، نحن نتزوج من بعضنا".

وحول مصطلح "النَّور"، أوضح الصالح أن "الله تعالى لم يخلق نورًا، وهو لقب أطلق على إنسان فقير، ولا يوجد نوري في الدنيا".


وعن أشغالهم التي يمارسونها، بيّن الصالح أن "البعض يقوم بصناعة الغرابيل، وأنا أعمل بالأسنان (فني أسنان)، فكثير من المراجعين يأتونني لأعالج مشاكل أسنانهم، ولكنني لا أحفر ولا أخدر".

ويشير الثلاثيني علاء أن "هناك نظرة سيئة للنور، نظرًا لبعض الممارسات السيئة لهم، فهناك من يمتهن السرقة، وهناك من يرسلون نساءهم للتسول ويمكثون هم في بيوتهم".


واعتبر علاء أن من أبرز ما يميز عائلته والعوائل المجاورة لهم، أنهم لا يأكلون لحم "العجل"، مشيرًا أن ذلك ليس معتقد ديني كما يعتقد البعض، وإنما هي عادة بالنسبة لهم، فهم لم يأكلوا سوى لحم الخروف في سوريا، على حد قوله.

وعن مهنته، قال علاء "أنا أعزف على المجوز (آلة تشبه المزمار) مع فرقة في الأعراس الأردنية، كي أنفق على زوجتي وأبنائي الخمسة"، مقدمًا معزوفة خاصة على آلته الموسيقية.


وأوضح علاء أن الحرب هي من دفعتهم إلى ترك سوريا والمجيء إلى الأردن، رغم أن بعضهم يحمل الجنسية الأردنية، "لكن الخوف من الرصاص والقذائف ألزمنا إلى ترك درعا".

ويعتبر الأردن الذي يزيد طول حدوده مع سوريا عن 375 كم، من أكثر الدول استقبالًا للاجئين السوريين الهاربين من الحرب، إذ يوجد فيه نحو مليون و390 ألف سوري، أكثر من نصفهم مسجلين بصفة "لاجئ" في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، في حين أن 750 ألف منهم دخلوا قبل الأزمة، بحكم النسب والمصاهرة والتجارة.


ومنذ منتصف مارس/ آذار 2011، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 44 عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ما دفع سوريا إلى دوامة من العنف، ومعارك دموية بين قوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم، خلّفت نحو 220 ألف قتيل، وتسببت في نزوح نحو 10 ملايين سوري عن مساكنهم داخل البلاد وخارجها، بحسب إحصاءات أممية وحقوقية.

ترك تعليق

التعليق