محصول الخيمة.. انتظار شهور، لتزيين وجبة فطور


هو من كبار ملاكي الأراضي في قريته، مزارع يُشهد له بحرفيته ومواظبته على الزراعة بين أبناء منطقته جميعاً.

محمد أبو يوسف، من قرية الصالحية التابعة لريف القصير الشمالي.

ثلاثيني قد سلبته الحرب في بلده سوريا كل ما يملك، ولم تترك له (دونماً) واحداً من هكتاراته البعلية أو المروية.
لكن تلك الحرب وقفت عاجزة أمام عشقه وحبه للزراعة، تلك المهنة التي ورثها أباً عن جد.

لا أرض ليزرعها هنا أبو يوسف، وهو اللاجئ المعدم، لكنه عرف كيف يتحايل على بضعة أمتار حول خيمته، وعلى بضعة سنتمترات من الممر الذي أمامها، ليحولها بستانه الموعود.

بستان قد لا يضم أكثر من حوضين صغيري المساحة، لكنهما كانا كفيلين بإشباع رغبته الجامحة في التعبير عن حبه للأرض.

تعبير لطالما عرف كيف يعبر عنه بغير هذه الطريقة ذات يوم عندما روى بدمائه ودماء أخوته ثرى تلك الأرض قبل خروجه منها تاركاً وراءه أخوة وأقارب شهداء.

في أحواض أبو يوسف التي جلب لها التراب الأحمر من بعيد ليتخلص من طبيعية الأرض الصخرية حول خيمته، والتي أضاف لها السماد العربي الذي لخصه أبو يوسف بأنه فضلات الحيوانات، تجد كل أنواع الخضروات المنزلية التي تمكن حسب قدرته من زراعتها.

فهو قد زرع البصل والثوم والفول والنعناع والسلق والسبانغ، ليُطعم عائلته منها، وعله بذلك يوفر من مصروف العائلة قليلاً، وليرتاح من الذهاب لإحضارها من المحلات النائية.


أحواض أبو يوسف عناية مستمرة.. وحراسة دائمة

لازال أبو يوسف يتعامل مع هذه المهنة بحب وإخلاص، فهو دائم العناية بشتلاته الصغار ينظف الأعشاب من حولها، ويقوم بعملية نكشها بالرفش لتهوية التربة بشكل دائم.

وأما عن طريقة سقايتها، فيقول أبو يوسف إن هذه المزروعات بطبيعتها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء، لذلك يكفيه إبريقه البلاستيكي لجلب الماء وسقايتها.

وعن المخاطر التي تهدد أحواض مزروعاته، فأكثر ما يقلق أبو يوسف هو الأطفال العابرين من قربها، فمزروعاته لا تحتمل العبث أو أي اعتداء من قبلهم.

كما يخاف على مزروعاته من القص الجائر فجميع مزروعاته والتي لا تكفي لصناعة صحن سلطة أو طبق تبولة أو طبخة سبانغ بحاجة إلى طريقة جني خاصة ومدروسة، لذلك لا يسمح لأحد من عائلته بجني المحصول
فهو يعتمد -كما يقول- أسلوب (التوريق)، إي الاكتفاء بقص الأوراق فقط دون أن تطال عملية الجني جذر النبتة، لكي تعيد الإنتاج من جديد.

كما أنه يستخدم أسلوب (التفريد)، أي عدم قص جميع أوراق النبتة الواحدة كي لا تموت، وانما الاكتفاء بقص ورقة أو ورقتين على الأكثر من كل نبتة وخصوصاً البصل والثوم والنعناع، لأنها تعود وتنمو من جديد ويستفاد منها.



بصل بلا دموع.. وثوم بلا رائحة

لازالت الحياة رغم قساوتها مستمرة هنا بين لاجئي لبنان من السوريين، فليس محمد أبو يوسف وحده من يزرع الخضراوات حول خيمته وأمامها كما يقول، فهناك العديد من العوائل السورية قد حذت حذوه في زراعته تلك..

سوريون لم يعد تنزل دموعهم جراء فرم البصل بعدما جففتها ويلات الحرب والدمار في بلادهم، ولم تعد تفوح من طبخاتهم روائح الثوم بعدما غطت على مخيماتهم رائحة الحنين والشوق للوطن.

خيام قد تجد من حولها وأمامها كل أنواع المزروعات والخضراوات المنزلية، لكنك حتماً لن تستمع إلا (لموال عتابا) واحد ينساب من بين أروقتها:

(يازارع الريحان حول خيامنا.. لاتزرع الريحان.. فلسنا نقيم)


ترك تعليق

التعليق