المعضمية.. وعاد الجوع مجدداً


يقول شمس إن الشاب الصغير الذي طرق بابه قبل يومين كان يحاول أن يتمالك نفسه لكن دمعة بائسة سرعان ما سقطت على خده وهو يلقي التحية بأدب واضح ويطلب في كثير من الخجل والارتباك مقدار كأس واحدة من الأرز.

ويتابع: "لقد صدمت لهذا الموقف لأن الشاب كان في مقتبل عمره ومن الصعب جداً على من كان في مثل سنه أن يطرق الأبواب ويسأل الناس".

وأعطى شمس ما يستطيع من مؤونة لهذا الشاب الذي نفد لدى أسرته كل ما يمكن أن يؤكل وصفرت خزانة الطعام، في مطبخ العائلة البائسة.

 وعاد الجوع مجدداً

قصص مشابهة رواها أصحابها في مدينة معضمية الشام تعكس حجم الجوع الذي عاد مكشراً عن أنيابه ليطارد الأهالي بشكل لا يعرف الرحمة.

أبو محمد (30 عاماً)، قال لـ "اقتصاد" والألم يعتصر قلبه: "أجلس الآن مهموماً أفكر في أيامي الماضية حيث كنت أعمل في أحد المطاعم الكبيرة في العاصمة قبل الثورة، لقد كنت متميزاً في أدائي المهني حتى استطعت اختراع وجبات وعصائر كثيرة، ودربت العديد والعديد من المبتدئين على أعمال المهنة التي أعشقها".

ويضيف: "كل أصناف الطعام تطاردني الآن، إنها تشكل هاجساً كبيراً لا يفارق مخيلتي!".

ولا يستطيع أبو محمد إخفاء حزنه البالغ حيال الوضع السيء جداً الذي وصلت إليه المعضمية،  مؤكداً بالقول: "بقي لدي الآن مقدار طبخة واحدة وبعدها سأفتح فمي أنا وعائلتي للهواء، ياله من ظلم مرير هذا الذي نتعرض له".

 أسعار باهظة

كلما اشتدت أزمة الجوع في المعضمية كلما ارتفعت أسعار المواد التموينية الضئيلة في المدينة.

ويومياً ترتفع الأسعار بشكل جنوني فقد سجل السكر 5000 ليرة سورية بينما يباع الرز والطحين والحمص والبرغل بسعر يتراوح بين 3000 ليرة و3500 ليرة.

أما علبة السجائر فقد ارتفعت لتباع سراً بـ 4000 ليرة مع الأخذ بعين الاعتبار السلبيات النفسية الرهيبة في البيت المعضماني نتيجة لانقطاع التبغ عن مدخني المدينة الشرهين إلى حد الهلوسة.

وفي نفس السياق ارتفعت أسعار لحوم البقر والغنم لتستقر على 8000 ليرة الأمر الذي يشكل عبئاً لا يحتمل على الأهالي، حيث يقول أحدهم لـ "اقتصاد": "لم تدخل اللحمة إلى بيتي منذ شهرين!".

 الطريق مغلق والأمم لم تدخل

منذ نهاية 2015 أُغلق معبر المدينة بالكامل وحصر الأهالي الذين لم يتمكنوا من شراء المؤونة الكافية خلال فتح المعبر نظراً لقلة السيولة النقدية المتوفرة بين أيديهم.

ومارس النظام عنفاً وحشياً في معركته الضارية التي هدفت للفصل بين الشقيقتين داريا والمعضمية لتصل هذه التراجيديا إلى ذروتها عندما سددت مروحيات النظام حممها على منازل المدنيين في المنطقة الجنوبية للمدينة.

ودخلت قوافل الأمم المتحدة محملة بالأغذية والمواد الإنسانية في نهاية شباط الماضي لكن هذه المواد سرعان ما نفدت حتى وصل الوضع إلى الجوع الرهيب الذي تعاني منه المدينة.

وفي سياق متصل، أعلنت الأمم المتحدة قبل أسبوعين حصولها على وعود شفوية بإدخال المساعدات إلى 9 مناطق من بينها مدينة معضمية الشام.

لكن هذه المساعدات لم تدخل حتى اللحظة حيث يؤكد عدد من الناشطين حصولهم على معلومات عن اقتراب وصولها.

وبين الحلم بفتح الطريق وانتظار وصول المساعدات الأممية، سيعيش آلاف من أهالي معضمية الشام عذاباً لا يطاق وجحيماً يشكل الجوع محرقته التي لا ترحم.

ترك تعليق

التعليق