في عيدهن.. قصص من وجع الأمهات السوريات بدرعا


للسنة الخامسة على التوالي، يمر عيد الأم في سوريا خالٍ من كل مظاهر الفرح، يمر مليئاً بمجرد ذكريات، جمعت ذات يوم أمهات بأبنائهن.

 للسنة الخامسة يمر عيد الأم مليئاً بالدموع والجراح على أبناء قتلوا في ساحات المعارك، أو غُيبوا في المعتقلات، أو هُجروا قسراً إلى مخيمات اللجوء وبلاد الذل والإذلال.
 
تمر السنة الخامسة، والأم السورية أصبحت الأم والأب والمعيل، بعد أن فقدت أغلى ما تملك، الزوج أو الابن، أو كليهما معاً، لينوء جسدها الأنثوي الرقيق، تحت أعباء ومسؤوليات كبيرة، عجزت عنها حتى خشونة جسد الرجل، في ظل مستقبل مجهول، يزداد قتامة وسوداوية.

تقول أم محمد، وهي سيدة أربعينية، إنها "فقدت ابنها البكر محمد وعمره لم يتجاوز الـ 16 عاماً في بداية الثورة السورية، لقد كانت تهمته التظاهر شأنه شأن كل الشباب السوري الذي نادي بالحرية".

وأضافت: "ذات يوم داهمت قوات الأمن بيتنا فجراً، وألقت القبض عليه ولم تسعفه أو تشفع له صيحاتي أو استغاثتي ورجائي لمن أتى لاعتقاله بأنه لازال طفلاً، ليعود إلي في اليوم السابع جثة هامدة، وعلامات التعذيب واضحة على جسده النحيل، كسور في الأضلاع والمرفق، وآثار حروق من سجائر مشتعلة في العينين، والأعضاء التناسلية".

وأشارت إلى أنه "بعد مرور نحو ستة أشهر على الحادثة وبينما كان زوجها ينقل المشتقات النفطية في سيارته الخاصة بين القرى، تعرض لقذيفة من قوات النظام، فأردته قتيلاً على الفور، وتسببت بخراب كبير في السيارة ، لتجد نفسها تصارع للعيش والبقاء، مع خمس طفلات أخريات أكبرهن لا يزيد عمرها عن الـ 14 عاماً"، لافتةً إلى أنها أصبحت الأم والأب والمعيل، تكدح من أجل لقمة عيشها ولقمة عيش طفلاتها، حيث حافظت على مهنة زوجها، واستمرت بما توفر لها من مدخرات مالية سابقة بالعمل في تجارة المشتقات النفطية.

واستطردت أم محمد: "صحيح أن العمل شاق ومتعب لكنه يؤمن احتياجاتي واحتياجات أسرتي التي أصبحت معيلها الوحيد".

بدوره، أشارت أم شادي، 47 عاماً، إلى أن "ابنها البكر شادي كان مهندساً ناجحاً، يعمل في إحدى الدوائر الرسمية في مدينة درعا، وكان في ذلك الوقت مشغولاً بتحضيرات العرس بعد أن خطبت له".

وأضافت: "ذهب إلى عمله كالعادة في بدايات آذار من العام 2012، ولكنه لم يعد منذ تلك الفترة، حاولنا أن نسأل عنه فأخبرونا أنه اعتقل على إحدى الحواجز التابعة للنظام داخل مدينة درعا، ومنذ ذلك الحين لا نعرف عنه شيئاً، أهو حي أم ميت؟"، وعقبت: "منذ غيابه لم تنشف دمعتي حتى كدت أن أفقد بصري".

فيما أكدت ثراء، 27 سنة، أن "زوجها كان يعمل في مديرية الزراعة، وذهب آخر شهر تموز من العام 2013 لاستلام راتبه، لكنه لم يعد منذ ذلك الحين".

 وأضافت: "لم يفدنا أحد بأية معلومة عنه"، لافتةً إلى أن لها طفلان صغيران، وهي تقوم بتربيتهما وبالإنفاق عليهما، كونها موظفة وتحصل على راتب معاشي معقول، حسب وصفها.

وأكدت ثراء أن "أم زوجها /حماتها/، سيدة كبيرة لديها مشاكل صحية وأمراض مزمنة، وهي دائمة السؤال عنه، فعندما تسألنا نقول لها بأنه سافر بمهمة إلى خارج سوريا، وأنه سيعود قريباً"، لافتةً إلى أنها مازالت على أمل عودته ونحن كذلك.

من جهتها، قالت أم عيسى، 53 عاماً، أنها "لم تعد تشعر بالفرح ولم يعد لها أعياد تسرها، بعد أن فقدت ابنها  عصام في إحدى المعارك ضد  قوات النظام".

وتقول: "كانت خسارته كبيرة بالنسبة لي، لأنه المعيل الوحيد للأسرة بعد وفاة والده بحادث سيارة، صحيح بأنه ليس الأكبر، لكنه هو المنتج الوحيد، لأنه ترك المدرسة مبكراً وفتح محلاً لبيع الموبايلات وتصليحها، وكان دخله المادي يؤمن لنا حياة مقبولة، ويكفي لشراء الأدوية لأخيه الأكبر المصاب بمرض انحلال الدم".

وأضافت أنها "حاولت إقناعه برمي السلاح، وأن إنفاقه المادي عليها وعلى أخيه المريض، هو بحكم الجهاد المقدس"، حسبما قالت، كونهما بحاجة إليه، فأصر على أنها "آخر معركة سيخوضها وسيتفرغ بعدها لعمله لكنها فعلاً كانت آخر معركة، حيث استشهد هناك".

ونوهت أم عيسى إلى أنها أجرت المحل الذي كان يعمل به لأحد أصدقائه، وأنها تحصل على مرتب شهري من الفصيل العسكري الذي كان ينتمي إليه، الأمر الذي يساعدها في الإنفاق على نفسها وعلى ابنها المريض، كما قالت.

المآسي والفقدان في سوريا لم يقتصر على الأمهات الثكلى، بل تجاوزهن إلى الأطفال، فكان هناك أطفال صغار فقدوا أمهاتهم في أتون الصراع، وكانوا ضحايا اليتم والفقر والعوز والتشرد.

وتشير نوال، وهي سيدة خمسينية لم ترزق بأطفال، إلى محمد ابن الخمس سنوات، وأسماء ذات الثلاث سنوات, والدموع تطفر من عينيها، وتقول: "لقد ذهبت سميرة أم هذين الطفلين إلى درعا، لاستلام سلتها الإغاثية من الهلال الأحمر السوري، لكن أحد القناصين التابعين لقوات النظام استهدفها، فماتت وتركت هذين الطفلين لا أقرباء لهما، ولا نعرف من أين هما، كل ما نعرفه أنهم نازحون، سألنا عنهم فلم يتعرف أحد عليهما، فأخذت على عاتقي الاعتناء بهما وتربيتهما"، منوهة إلى أن الكثير من الأهالي من يعرف قصتهما، يجود بما يتوفر للمساعدة في تربيتهما، ريثما نعرف أقاربهما أو أهلهما أو يأتي أحد ليعتني بهما.  

تلك هي بعض قصص الوجع والمآسي من حياة السوريات، التي لازالت الحرب تطحنهن بلا رحمة ولا شفقة، حيث يشير واقع الحال إلى أن مآسيهن ستزداد مع مرور الأيام، في ظل فقدان أي أمل بتوقف الحرب أمام تعنت قوات النظام وغيّها، وفي ظل صمت دولي رسمي وشعبي، تخلى عن أبسط القيم الأخلاقية والإنسانية، ولم يكلف نفسه حتى بمجرد رفع يده احتجاجاً على شعب ذي حضارة إنسانية عريقة يباد بدم بارد.

ترك تعليق

التعليق