السوريون ودروس تعلم اللغة في أوروبا.. "بعدما شاب ودوه للكتاب"

للوهلة الأولى يبدو المشهد غريباً.. رجال ونساء تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً، ولديهم أبناء شباب، يجلسون في صفوف تعلم اللغة في الدولة الأوروبية التي اختاروا العيش فيها، وقد امتلأت "الكروش" وشاب الشعر وتساقط.. لكن سرعان ما ينقلب المشهد إلى مضحك، عندما تستمع إلى تندرهم من أنفسهم، وهم يجاهدون بلا جدوى، من أجل تعلم هذه اللغة..  فالرأس امتلأت بالهموم، ولم يعد المرء قادراً على ممارسة سوى بعض الأنشطة الذهنية الخفيفة.. فما بالك بتعلم لغة لقوم..؟!

اللغة أبرز العقبات

لا تكاد تلتقي بأسرة سورية لجأت إلى أوروبا، إلا وتتحدث عن المصاعب التي تواجهها من خلال انتظامها في دروس اللغة الإجبارية.. فقطار العمر بات أقرب للنهاية، وظروف الحياة الجديدة والمسؤوليات التي تحملها الدول الأوروبية للأسرة من أجل أولادها، تزيد من الضغوطات النفسية التي يعانيها القادم الجديد إلى هذه البلاد، فلا تعود اللغة تشكل الجزء الأهم من انشغالاته.. هكذا يلخص عدنان المقداد، المقيم في ألمانيا منذ أكثر من عام ونصف، قصته مع دروس اللغة، وهو الذي قارب الخمسين عاماً من العمر..

ويتابع عدنان: "أشعر أنني أفضل حظاً من غيري، لأني استطعت تعلم ما أستطيع أن أدبر به نفسي وشؤون أسرتي، من اللغة، ومع ذلك لم أستطع النجاح في دورة اللغة، وعلي إعادتها بعد أكثر من تسعة أشهر من الدروس".

ويضيف: "الأمر لا يتعلق فقط بكون اللغة الألمانية صعبة للغاية حتى على الطفل، لكن العودة إلى مقاعد الدراسة والانتظام في دوام كامل، بحد ذاته متعب، لأن قدرة الانسان على التركيز بعد أن يتجاوز الأربعين عاماً، ضئيلة جداً، قد لا تتجاوز الساعتين، بينما المطلوب هو دوام بسبع ساعات يومياً، ما يجعل المرء غير قادر سوى على الاحتفاظ بعدد محدود من المعلومات".

من جهته، يرى نعيم عبد الله، المقيم في فرنسا منذ نحو عامين، والبالغ من العمر 48 عاماً، ويحمل إجازة في الهندسة، أنه استطاع تعلم القراءة والكتابة والقواعد بشكل جيد بعد ستة أشهر من دورات اللغة المتواصلة، ووصل لقناعة أنه لن يكون بمقدوره التحدث باللغة الفرنسية، فهي صعبة جداً على لسانه، رغم محاولاته العديدة لتحسين نطقه.

ويرى عبد الله، أن التحدث بلغة جديدة بحاجة إلى احتكاك مستمر مع أبناء البلد، وهو من الصعب أن يكون متاحاً لرب وربة أسرة، لديهم أطفال وأعباء، لذلك يعتقد أن الفرص ضئيلة جداً لتعلم التحدث باللغة بالنسبة لمن تجاوزت أعمارهم الأربعين عاماً..

أما يوسف الحمصي، الذي يعيش في السويد بعيداً عن أسرته ويبلغ من العمر 45 عاماً، فيقول، أنه حتى الآن، لم يتعلم سوى مفردات الترحيب والسلام، وبعض المفردات البسيطة، على الرغم من أنه أنهى دورة اللغة، وهو يعمل لدى سويديين.. لافتاً إلى أن عقله لا يستوعب هذه اللغة.. وهو يعزو الأمر إلى بعده عن زوجته وأطفاله، كونه لم ينه إجراءات لم الشمل حتى الآن.

أي اللغات أصعب

كل سوري يعتقد أن لغة البلد الأوروبي التي يعيش فيها، هي الأصعب.. ويتنافسون فيما بينهم في تبيان صعوبة هذه اللغة عن تلك.. وفي النتيجة يرى خبراء، أن كل لغة مختلفة عن اللغة الأم هي لغة صعبة، والأمر غير مرتبط بكون اللغة الفرنسية أو الألمانية أو السويدية، أصعب على التعلم..

ويقول الخبير اللغوي، محمد الصالح، والذي يمتلك موقعاً تفاعلياً للغات على الانترنت، يضم اللغة الانكليزية والفرنسية والألمانية، أنه كلما تقدم الإنسان في العمر، تناقصت فرصه في تعلم لغة جديدة، ويتعقد أن الحد الأقصى للعمر الذي يمكن فيه للإنسان أن يتعلم لغة قوم بشكل كامل، هو العشر سنوات، مشيراً إلى أنه بعد هذا العمر، يبدأ الطفل بالشكوى من صعوبة تعلم اللغة..

ويتساءل الصالح: "فما بلك بمن يريد أن يتعلم اللغة وقد تجاوز الأربعين أو الخمسين..؟"، ويتابع: "الأمر صعب للغاية، وفي هذه المرحلة من العمر، بالكاد يستطيع الإنسان أن يتعلم بعض المفردات البسيطة وبنطق سيء جداً، لكنه يكون أقدر على الفهم، ويمكن له أن يتعلم القراءة بشكل أفضل".

ويضيف الصالح، أن هناك الكثير يعتقدون أن صعوبة تعلم اللغة سببه نقص الاحتكاك والتواصل مع أبناء البلد الأصليين أو أنهم يعتقدون أنهم  يستطيعون تعلم اللغة من أولادهم الصغار، والبعض يرى أن ذلك بسبب وجود الأسرة وهموم الأطفال معه، أو حتى البعد عن الأسرة.. لكنه يرى أيضاً أن الأمر غير مرتبط أبداً بتلك الظروف، وإنما المسألة عقلية بالدرجة الأولى، حيث أن قدرة الإنسان على التعلم والحفظ بعد أن يتجاوز الثلاثين عاماً صعبة للغاية وبحاجة لأشخاص استثنائيين.

ويوجه الصالح في النهاية نصيحة لكل من يشكو من صعوبة تعلم اللغة أو يريد تعلم اللغة، أن الفكرة الأساسية تعود بالدرجة الأولى للرغبة والحاجة، ومن ثم الجهد الذي يبذله المرء في سبيل تحقيق هذه الرغبة، مشيراً إلى أنه لا يجب أن يسعى الانسان لتعلم اللغة كما ينطقها أبناء البلد، لأن ذلك يزيد من صعوبة التعلم بحسب رأيه.. ويضيف: "يجب أن يتحدث براحته، وأن يكون جريئاً ولا يخشى من سخرية الآخرين، فهذا الأمر يساعد كثيراً على التعلم وتحسين المستوى اللغوي".

ترك تعليق

التعليق