في درعا.. لعنة التدفئة على الكاوتشوك


ألقت موجة الصقيع والبرد التي تسود المنطقة بظلالها الشديدة على سكان جنوب سوريا، ما زاد في معاناتهم في ظل شح بوسائل التدفئة والموارد الاقتصادية، وارتفاع بأسعار الحطب والمشتقات النفطية، التي بات يقتصر استخدامها فقط على  أيسر الناس وأكثرهم دخلاً.

ويجوب أحمد، 12 عاماً، وشقيقه عمار، 10 سنوات، كل يوم, مكبات القمامة والحاويات والمحلات التجارية، بحثاً عما يمكن استخدامه في التدفئة من كراتين الورق المقوى مروراً بالفوارغ البلاستيكية من علب منظفات فارغة، وليس انتهاءاً بالصناديق البلاستيكية والعجلات القديمة، وكل ما يمكن إشعاله واستخدامه بالتدفئة والطهي.

يقوم أحمد وعمار بجمع كل ذلك ويحملانه إلى منزلهما المتواضع ليستخدمانه في التدفئة بسبب الفقر وضيق ذات اليد، وعدم وجود أي دخل لهذه الأسرة.

وتقول السيدة الأربعينية، أم أحمد، والدة الطفلين، "بعد وفاة زوجي نتيجة إصابته بشظية متطايرة, من براميل الأسد, لم يتبق لنا معيل إلا الله، كان زوجي يعمل بائعاً على بسطة خضار قبل أن يتوفى، وكان دخله اليومي يؤمن لنا مصدر عيشنا، والآن كما ترى لا يعيلني إلا هذين الطفلين، فهما الأكبر في أسرتنا المكونة أيضاً من طفلتين صغيرتين".

وأشارت أم أحمد إلى أن "طفليها تركا المدرسة، ليعيلا الأسرة ويهتمان بشؤونها"، لافتة إلى أن مكانهما يجب أن يكون في المدرسة الآن، ولكن الظروف كما تقول، "حكمت علينا أن نعيش العذاب، وأن نكبر قبل الأوان، وأن يتحمل هذان الطفلان المسؤولية باكراً، فهما أيضاً يعملان ببيع ربطات الخبز ليساعداني في مصروف البيت".

بدوره، يقول عدنان 45 عاماً، "إن البرد قارس ولا يوجد ما نتدفأ به، فالمازوت غالي, وما معنا مصاري, لأنه مافي شغل ولا عمل، منين بدنا نجيب".

يتابع: "كنت موظفاً في مؤسسة المياه، ولكن تم طردي لأني أعيش في منطقة فيها ثوار، تم ذلك بعد سجني أكثر من شهرين، وها أنا منذ سنتين لا أعمل، أُبسّط وأبيع الأدوات الكهربائية الصينية، ولكن الدخل لا يسد احتياجاتي، وبدأت ببيع بعض أثاث بيتي عندما بدأت الأمور تضيق، بعت غسالة الأتوماتيك والتلفزيون كمقدمة، كي أستطيع الإنفاق", لافتاً إلى أنه يستخدم كل ما يشتعل في التدفئة بما فيها عجلات الكاوتشوك المهترئة، رغم ضررها الكبير ورائحتها الخانقة.

أما صهيب، 33 عاماً، موظف، يقول "بدأت بالبداية بقص جذوع الزيتون في الحقل لاستخدامها في الطهي والتدفئة، لأنه لا بديل لدي ودخلي الشهري لا يكفي للمواد الأساسية، ومهما كانت أسعار المشتقات النفطية، فأنا لا أملك مالاً يكفي لشرائها"، مشيراً إلى أن ما جمعه من حطب تم استخدامه بشكل كامل، وأنه سيعمد هذه المرة إلى قص إحدى شجرات الزيتون المعمرة، للاحتطاب والتدفئة.

ويقول الحاج خالد، 68 عاماً، "صحيح أن النظام  بحصاره لنا أعاد حياتنا إلى أيام الخمسينيات، وعادت مدافئ الحطب وأجواؤها الحميمة، وأثارت الذكريات، لكن كانت أمورنا سابقاً، ورغم الفقر، أفضل، كان في أمان وكلنا نحب بعضنا، وأولاد القرية وشبابها كلهم أسرة واحدة، لأن الحال من بعضه، والكل من نفس المستوى، وما في فوارق كبيرة، ولا عداوات، لكن الآن الأمور صعبة ومافي معنا شي، ثمن  المحصول الزراعي أوشك على الانتهاء، والشتاء قاسٍ هذه السنة، والنظام عم يزيد في حصارنا، وحياتنا شبه متوقفة منذ خمس سنوات، ولا نعرف إلى كم تطول الأزمة".

سامي 38 عاماً، موظف سابق، يقول "لم يتبق في مناطقنا ما يمكن استخدامه في التدفئة، كل الحراج تم تحطيبها، حتى الأشجار في الأودية تم تحطيبها, وأصبحت معظم المناطق عارية تماماً من الأشجار الخضراء"، لافتاً إلى أنه إذا طال أمد الحرب في سوريا، سيلجأ الناس هذه المرة إلى تحطيب أشجار الزيتون، التي تعد واحداً من المداخيل الاقتصادية الهامة للسواد الأعظم من أبناء درعا، الذين يعتمدون على الزراعة كأحد الموارد الاقتصادية الهامة.

استخدام المواد البلاستكية وعجلات السيارات بالتدفئة، تتسبب بأضرار كبيرة وخاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن، حيث سجلت حالات اختناق وتسمم نتيجة استخدامها.

وقال مصدر من إحدى المشافي الميدانية في المنطقة الغربية من محافظة درعا، إن المشفى استقبل منذ بداية الشتاء، ومع استخدام المدافئ, عشرات حالات الاختناق وضيق التنفس، قدمت لهم ورغم الإمكانات المتواضعة الإسعافات اللازمة.

ويقول طبيب الداخلية، محمد الأحمد، العامل في إحدى المشافي الميدانية، "إن الأضرار الصحية الناجمة عن احتراق بعض المواد البلاستيكية كبيرة جداً، فعدا عن الأضرار البيئية التي لا مجال لذكرها كون بلادنا كلها موبوءة بسبب القصف والدمار, هناك الأضرار الصحية المخيفة، من أهمها إصابة الأجهزة التنفسية بالأمراض، حيث تبقى المواد السامة المستنشقة عالقة في الرئتين، ويمكن أن تسبب حالات ضيق تنفس تودي بحياة المرض، وقد تتسبب بأمراض مزمنة"، لافتاً إلى أنه ورغم معرفة الناس بالأخطار الصحية، لكنهم يستخدمون المواد البلاستيكية والكاوتشوك لأنه لا خيار أمامهم، ولا بدائل نظيفة، حتى بعض أنواع المازوت المستخدمة في التدفئة، والتي ظهرت مؤخراً في الأسواق، لها بعض السمية والروائح الكريهة المخرشة، لعدم نقائها من الشوائب والغازات المضرة بالصحة العامة، كما قال.

ترك تعليق

التعليق