"إذا أصابت حياً سكنياً أتت على معظمه".. صواريخ روسيا تطرد عشرات الآلاف من درعا


أدت العمليات العسكرية والمعارك التي تشهدها محافظة درعا مؤخراً، إلى حركة نزوح واسعة، بعد فترة من الزمن شهدت فيه استقراراً نسبياً في عدد كبير من المناطق المحررة، الواقعة بعيداً عن المدى المجدي لأسلحة قوات النظام، التي بدت متهالكة وغير قادرة على الاستمرار وخوض مزيد من المعارك، لولا التدخل العسكري الروسي الأخير الذي غيّر المشهد الميداني.

ويشير حجم الأعداد النازحة من مناطق القتال، وفق إحصائيات ناشطي درعا، إلى أن متغيراً جديداً أجبرهم على النزوح بهذا الكم الهائل، ليتبين أن الطيران الحربي الروسي، لم يوفر منطقة أو تجمعاً سكانياً، وأنه المسؤول الرئيس عن ذلك, بسبب اتساع مساحات الاستهداف، وسياسة الأرض المحروقة التي انتهجها، مستخدماً أعتى أنواع الأسلحة المتطورة وأكثرها قدرة على التدمير.

وقال أحمد، أحد النازحين من مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا، "إن الطيران الحربي الروسي دمر أحياء المدينة تدميراً كاملاً، مستخدماً الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية وقنابل أخرى شديدة الانفجار، إذا أصابت حياً سكنياً أتت على معظمه"، لافتاً إلى "أن بعض الصواريخ كانت تدمر بناءاً مكوناً من عدة طبقات, وتنتهي بحفرة يصل عمقها أحياناً إلى عشرة أمتار, وهو ما شاهدناه بأعيننا هناك في أكثر من مكان"، حسب وصف النازح.

ويشير أبو أنس، عضو  تنسيقية الشيخ مسكين،  إلى "أن المدينة تبدو خاوية على عروشها، ومهدمة ولا وجود لمظاهر الحياة فيها، بعد عمليات الاستهداف المتلاحقة من قبل قوات النظام والطيران الحربي الروسي"، لافتاً إلى أن أكثر من 40 ألف مواطن غادروا المدينة إلى مناطق لجوء آمنة، في ريف درعا الشمالي والغربي".

وأضاف أن "عدد النازحين ازداد مع تواصل الحملة العسكرية التي بدأها النظام قبل نحو شهر، لاستعادة المدينة من قبضة الثوار، بعد أن سيطروا عليها لمدة عام كامل، شهدت المدينة خلاله بعض الاستقرار والشعور بالأمان، إلا من بعض الاستهداف المدفعي الذي طال بعض الأحياء، والذي لا يقاس بالقدرة التدميرية الشديدة للسلاح الروسي المتطور، الذي اتخذ من مناطق درعا ساحات تجارب حية".

وأمام هذا الوضع المتأزم، دعا كل من مجلس محافظة درعا المحررة، واللجنة الإغاثية في الشيخ مسكين، إلى حملة إغاثة لمساعدة النازحين من مدن وقرى المحافظة المشتعلة, وتأمين أماكن إيواء وطعام وملابس لهم.

وأشار المكتب الإعلامي لمجلس المحافظة إلى أن الحملة قطعت شوطاً لا بأس به، وقامت بتأمين بعض الأموال والتبرعات العينية من أهالي المناطق الأخرى رغم الظروف الصعبة للجميع، وقُدمت بعض المساعدات لعدة أسر، اعتُبرت الأكثر احتياجاً.

الوضع المأساوي للنازحين ازداد سوداوية وقتامة لتزامن العمليات العسكرية مع ظروف مناخية قاسية، يأتي في مقدمتها البرد القارس وعدم وجود وسائل التدفئة، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية في ظل عجز اللجان الإغاثية عن تقديم أي مساعدات ممكنة، لضعف الإمكانات المادية ولنضوب المساعدات التي كانت تصل من عدة دول لإغاثة السوريين.

وأشار أبو عهد، عضو لجنة الإغاثة في المنطقة الغربية، إلى أن "اللجنة تقف عاجزة عن تقديم أي شيء", لافتاً إلى أن اللجنة لم تتسلم منذ فترة طويلة أية مساعدات جديدة، وما كان في مستودعاتها تم توزيعه في أوقات سابقة على الناس.

ولفت إلى أن المواطنين المستحقين للسلل الغذائية الشهرية لم يستلموها منذ عدة أشهر، لعدم وصول المساعدات لهؤلاء من خارج سوريا، ما أدى إلى زيادة الأعباء الاقتصادية على المواطن الذي يرزح تحت وطأة ظروف اقتصادية هي صعبة بالأساس.

وأكدت الحاجة فضة، 60 عاماً، نازحة من ريف دمشق، بأنها "ذهبت إلى أكثر المخيمات ومراكز الإيواء المقامة للنازحين في مناطق المحافظة الآمنة"، مشيرة إلى أنها مزدحمة بالناس وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، فلا مياه كافية، ولا صرف صحي آمن، والخيام كلها ممزقة ومرقعة"، حسبما أفادت.

وقالت "خرجت أبحث عن بيت أستأجره لأسكنه، أنا وأبناء ابني الوحيد، الذي قُتل قبل عدة أشهر، وها أنا أبحث لربما أجد عند الأجاويد بيتاً يأوينا".

حركة النزوح الكبيرة التي تشهدها مناطق المحافظة لم تصطدم بمعوقات وصعوبات داخل الأراضي السورية فحسب، بل حتى في حركة اللجوء إلى الأردن، إذ ما يزال الآلاف، ومنذ عدة أشهر، عالقون على الحدود في ظروف مناخية شديدة الصعوبة، ما دعا مجلس محافظة درعا الحرة إلى مناشدة الحكومة الأردنية، السماح للعالقين على الحدود بالدخول إلى الأراضي الأردنية واستيعابهم في مخيمات اللجوء المعدة لذلك، وتقديم المسكن والملبس والطعام لهم، ولاسيما أولئك الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى الذين يعيشون أصعب الظروف.

وأكد وائل الزوباني، ممثل مجلس المحافظة المحررة، المعني بالنازحين أن "عدد اللاجئين العالقين على الحدود الأردنية في ازدياد نتيجة استمرار القصف الروسي على العديد من المناطق السورية، ولاسيما على ريف درعا وريف دمشق"، لافتاً إلى أن الجميع يعيش في ظروف إنسانية صعبة، في ظل شح بجميع الإمكانات والمساعدات, داعياً المنظمات الدولية والإنسانية إلى تحمل مسؤولياتها والقيام بمهامها أمام هذا الحالات الإنسانية.

محمد، 40 عاماً، أحد اللاجئين إلى الأردن من قرى درعا، قال في اتصال معه: "لقد استمرت رحلة وصولنا إلى أهلنا هناك أكثر من شهر, وكنا في ظروف إنسانية صعبة على الحدود، حيث لا يوجد ما يكفي من ألبسة ولا ما نغطي به أجسادنا وأجساد أطفالنا،.. المئات يقيمون في خيم كبيرة، تفتقر لأبسط شروط الإقامة، وكنا مجبرين على ذلك لأن لا مجال أمامنا سوى الخروج من سوريا، حيث لم يعد أي شيء آمناً وحياة معظم الناس مهددة بالموت".

وأضاف "نحن أصلاً لم نتوقع أن نبقى طيلة هذه الفترة على الحدود، لأن أهلي وأهل زوجتي سبقونا منذ أكثر من سنتين إلى هناك، وتوقعنا أن يكون أمر وصولنا سهل جداً".

الناشط الحقوقي، أبو قيس الدرعاوي، أكد أن "الضربات الروسية الجوية الأخيرة زادت حجم  الصعوبات على سكان محافظة درعا, وولدت حالة كبيرة من الذعر، إذ أن الضربات لم تعد تخضع لوقت محدد، ولا لظروف مناخية محددة، كما كانت في السابق، فهي الآن تتم ليلاً نهاراً، صيفاً وشتاءاً, دون النظر لأي ظرف، بعد أن كانت طائرات النظام تقوم بذلك نهاراً وفي أجواء صحو وسماء صافية، ما كان يتيح للناس الهرب إلى الحقول والاختباء في أماكن آمنة نسبياً".

وأكد أن الاحتلال  الروسي وتدخله في المعارك الدائرة  في درعا أضاف صعوبات جديدة على كل مناحي الحياة، أولها أنه أطال في عمر النظام الآيل للسقوط، كما وأطال عمر الحصار المفروض على كثير من المناطق، ما أدى إلى فقدان الكثير من المواد، وارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء المضافة على الناس.

يشار إلى أن الطيران الروسي منذ بدء حملته على مناطق درعا نفذ مئات الغارات الجوية استهدف خلالها منازل المواطنين والأسواق الشعبية والمعاصر والمنازل والمشافي الميدانية، ما تسبب بوقوع مئات الضحايا من المواطنين العزل والأطفال والنساء، وتدميراً هائلاً بالبنى التحتية والعمرانية.

ترك تعليق

التعليق