كان الريف هنا.. الغلاء يطبق على السوريين مع مواسمهم


الريف السوري وتحديداً الدمشقي، بدأت تختفي ملامحه الحقيقية بعد خمس سنوات من الحرب التي يشنها النظام على البشر والحجر والشجر، فالثلاثي الأخير إما اختفى أو في طريقه إلى الانعدام، والذين يعرفون جيداً كيف كان حال الريف الدمشقي على وجه الخصوص، يندهشون اليوم من حاله الجديدة، والريف الذي كان يطعم المدينة بات جائعاً، وحتى منتجاته لم تعد قادرة على إعالة أهله.

الغوطة.. بستان البلد

رئة دمشق وبستانها، حولتها البلدزورات إلى منزوعة الأشجار، فالسياج الذي كان يحيط بالعاصمة ويساهم في سقوط الأمطار وجلب الغيوم وصد الريح العتية بشجر الحور الذي يزرع فيها بكثافة، صار في خبر كان، وحتى المزروعات الموسمية كالخضار التي كانت تُطعم سكان الغوطة ليُرسل الباقي إلى العاصمة، لم تعد كافية لإطعام سكانها الذين إما حوصروا بالقصف أو فقدوا أبناءهم، وهرب الفلاحون إلى أماكن جديدة، وتلوث الماء بسبب الغاز السام الذي تقصف به قرى الغوطة ومدنها وأهمها (دوما) التي كانت تبيع الخضار بأقل من أسعار المدينة بثلاثة أضعاف.

قرى حزرما والنشابية والقاسمية وأوتايا وبالا والقيسا.. وسواها، باتت عرضة لاستنزاف بشري كبير بسبب هجرة سكانها والقصف الذي لا يهدأ وهي القرى المنتجة لهذه المزروعات إضافة إلى القمح والزيتون.

قرى الحليب
 
(يلدا)، أهم مدن الغوطة الشرقية الملاصقة للعاصمة، فقدت أكثر ثروتها الحيوانية منذ بداية الثورة، فخلال الاقتحامات التي كان يقوم بها النظام كانت نيران الجنود تتوجه نحو الأبقار والأغنام بالإضافة إلى البشر، وكذلك حولت قذائف المدفعية والدبابات حظائرها إلى أشلاء متناثرة مع لحوم الحيوانات.

في السنة الثانية للثورة، فقدت (يلدا) وحدها أكثر من 1500 رأس بقر في اقتحامات الجيش واشتباكاته مع الثوار، ويقدر عدد الأبقار (الشهيدة) خلال هذه السنوات الخمس بأكثر من 10000 رأس، هذا عدا عما تم التخلص منه بالبيع أو تمت سرقته، أو مات جوعاً.

كذلك (ببيلا- العتيبة- دير سلمان- الأحمدية) كل هذه القرى وغيرها تم تهجير سكانها وتحولت إلى تجمعات بائسة لمهجرين من باقي المناطق، بالاضافة إلى أحياء محسوبة على العاصمة نالت نفس المصير (القدم- كفرسوسة) فقد نالت بساتينها نصيب الاقتطاع ووضع حواجز اللصوص فيها فهجرها الفلاحون خشية الاعتقال.

جبلا الشيخ والقلمون

نال الجبلان نصيبهما من التهجير والقتل، فالشيخ المنتج للماء والحليب ومشتقاته والزيتون والقمح محاصر وتشهد مناطقه معارك يخوضها الجيش والشبيحة ضد الفلاحين، ويمنع عنهم السماد وأشتال الشجر، والقلمون عمق حزب "اللات" من آلامه وهجّر سكانه، وقليل من الزبيب والتين اليابس والعسل والدبس البلدي هو فقط ما يصل إلى أسواق العاصمة.

فقر.. وغلاء

المشهد الذي قدمناه يعكس واقع الحال الآن للعاصمة وريفها، وهو ما يدلل على الارتفاع الجنوني للأسعار بالإضافة إلى أسباب تتعلق بالمعارك، ونهب الحواجز للمواطنين وسيارات النقل، وزيادة أسعار المحروقات والأسمدة.. كلها زادت من فقر الطرفين المستهلك والمنتج على حد سواء.

المستهلك لم يعد دخله يجاري تكاليف الإنتاج المرتفعة، والفلاح المنتج لديه مصاريف كبيرة تتعلق بصعوبة الحصول على المواد الأولية، والحصار المطبق عليه، وخشيته من مواسم لا تكتمل.

طرفا الذعر المادي

ببساطة كل ما تنتجه الأرض والفلاح هو منتج غالٍ ومنهك للطرفين لذلك نجد الارتفاعات دائمة لأسعار الأجبان والألبان، فهي في دمشق ارتفعت بنسب تجاوزت 600% منذ بداية الثورة والأمثلة على ذلك كثيرة:

الحليب في الريف: سعر الكيلو 150 ليرة.. في المدينة 175 ليرة.

الجبنة البلدية في الريف 900-1000.. في المدينة 1100-1200 ليرة.

اللبن في الريف 160.. في المدينة 185 ليرة.

البيض البلدي 30 ليرة في الريف.. 40 ليرة في المدينة.

وهكذا يبدو الطرفان بائسان ويائسان، والكل يشكو من عدم قدرته على الحياة في وطن يتقاسمه اللصوص والمجرمون وتجار الأزمات وبحماية نظام استجلب كل هؤلاء دفعة واحدة.

ترك تعليق

التعليق