الكمأة.. ثمرة "المنّ" التي حُرم السوريون من جمعها وأكلها بسبب الحرب


ما إن تبرق السماء وترعد مع بداية الشتاء كل عام حتى تنبت في الأرض نبتة لا ورق لها ولا ساق تشبه حبة البطاطا بحجمها ولونها يسميها العرب "بنات الرعد" لأنها تكثر بكثرته وتنفطر عن الأرض، وتعتبر الكمأة الأكلة المفضلة لدى أهل البادية في موسمها وأجودها ما كانت أرضها رملية.

وكان جني هذه الثمرة وجمعها من قبل أبناء البادية السورية تمثل متعة لا تعادلها متعة وبعضهم قبل أن يخيم شبح الحرب كانوا ينصبون خيامهم بالقرب من مناطق ظهورها ليجمعوها ويستهلكونها بعد سلقها أو تحميرها أو شيِّها.

 وتحولت هذه الثمرة في السنوات الأخيرة إلى مصدر اقتصادي موسمي للكثير من البداوة، حيث وصل سعر الكيلو غرام منها العام الماضي إلى 9000 ليرة سورية أي ما يعادل الـ50 دولاراً نظراً لقلة من يخرج لجمعها في ظروف الحرب.


تظهر الكمأة في الصحراء أوائل فصل الربيع مع ظهور أعشاب الربيع وزهور الصحراء وتتحول أماكن وجودها حينئذ إلى منتزهات عامة.

 وكمأة البادية العربية أنواع متعددة، ينتشر في دول الخليج والعراق منها نوعان رئيسيان: كمأ يعرف بـ" الزبيدي" وهو أبيض اللون وقوامه طري وكمأ يعرف بـ "الجبا" ولونه أحمر إلى بني داكن وقوامه أصلب من الزبيدي.

وقد لوحظ منذ أزمان بعيدة وجود علاقة بين ظهور الكمأة ووجود نباتات معينة قريبة منها، وتوجد الكمأة حيث توجد تلك النباتات وتختفي حيث لا توجد، والعلاقة بينهما علاقة ارتباطية فكما الغابات يرتبط وجودها بأشجار معينة منها البلوط والزان والبندق فكمأة الصحراء– أيضاً – يرتبط وجودها بأعشاب معينة ذُكر منها "الرقروق" أو الأرقة.

وتتواجد هذه النبتة في الحماد السوري قريباً من الحدود العراقية والأردنية، كما أنها تتواجد في المناطق الداخلية الشرقية كالدوة ومنطقة تدمر والسخنة وتوجد في السهول والجبال.
 

وأشار "أبو خضر بريك" وهو أحد أبناء الفرقلس القريبة من البادية السورية، لـ"اقتصاد"، إلى أن "الكمأة تنمو نتيجة الأمطار والرعد في شهري تشرين الأول والثاني إذ يسمى "هريف" عندما تهطل الأمطار بهذين الشهرين مترافقاً بالرعد وتظهر عادة في بلاد الشام خلال شهر شباط، ولكن في بعض سنين الخير قد تظهر في كانون الأول أو الثاني".

 ولفت بريك إلى أن "الكمأة إذا بقيت في التراب ولم تُقلع تتحول الى تراب"، و"من معجزات الله سبحانه وتعالى أن هذه النبتة إذا نبتت تحت صخرة كبيرة رغم ضعفها وطراوتها إلا أنها ترفعها وتحركها ليعرف الإنسان أنه يوجد كمأة تحت هذه الصخرة".

وبحسب بريك فإن "أهالي المناطق القريبة من أماكن نمو الكمأ حُرموا منذ بداية الحرب من ممارسة هذه الهواية الممتعة ومن لحظات العثور عليها وفرحتهم بإخراجها من تحت التراب وخاصة إذا كانت كبيرة الحجم".

وروى محدثنا أنه قبل الحرب اعتاد على الذهاب كل يوم بعد دوامه الوظيفي الى الصحراء لمسافة تزيد على مائة كم رغم علمه–كما يقول- أنه لن يجد سوى بعض الحبات مكلفاً نفسه أضعاف ما سيجده لكنه–بحسب وصفه- كان يشعر بمتعة رؤيتها وإخراجها بيده من تحت التراب.

ترك تعليق

التعليق