ملامح من تجارة الجوازات بدمشق

نعم يمكن إخراج جواز سفر لمعارض أو مطلوب، ولكن هذا يتطلب مبلغاً كبيراً فاللصوص من ضباط الهجرة والداخلية يتقاضون الآن بالدولار، حتى هؤلاء لم يعودوا يقبلون التعامل بليرتهم التي يقدسونها، هذا ما يردده معقب المعاملات (علي)، الخبير بالجوازات والقوانين المتعلقة بها، وتربطه بضباط فروع الهجرة علاقلات قوية تعتمد على المصالح والرشا.

أمام هجرة دمشق

من هنا مر كل السوريين الذين هجّرتهم قوات الأسد وميليشياته، والطوابير كانت تتوافق مع لباس أبناء المناطق المضطربة، ومن البساطة أن تميز أبناء القامشلي ودرعا والقنيطرة وريف حلب وحمص..وأخيراً جاء دور أبناء دمشق.

هنا تمارس كل موبقات التجارة والبيع، محال تجارية فتحت من أجل جواز السفر الذي لم يكن يتملكه سوى التجار وبعض الطلاب الموفدين خارج البلاد، وأما بقية الشعب فهي كانت ترى في الوطن مكاناً لا يستبدل مهما كانت الإغراءات.

المحال التجارية خصصت جل وقتها لخدمة طالبي الجوازات، واتفقت مع شرطة الفرع على سلسلة إجراءات يستفيد منها الطرفان من طوابع وتصوير وحتى طلب الحصول على الجواز ستجدها عندهم وهي بسعر 200 ليرة سورية بينما سعرها الرسمي 25 ليرة لكن الحصول عليها يتطلب الوقت الطويل من الانتظار في طابور الدور.

العاملون في هذه المحال صاروا خبراء في اقتناص الزبون فهم على مدار خمس سنوات حفظوا الدرس، واختصروا كل الطرق التي تؤدي للحصول على جواز السفر مع إدراكهم لجهل المواطن في دهاليز البيروقراطية، وخوفه من أن يكون مطلوباً، وهذه خدمة إضافية يدفع من أجلها كثيرون المال الوفير، ووصل معرفة وضع المواطن في (الفيش) إن كان مطلوباً أو ممنوعاً من السفر إلى 15000 ليرة سورية يتقاسمها الوسيط مع الشرطي.


معقبو المعاملات

بالرغم من منعهم من ممارسة العمل أمام مبنى الهجرة ووجود عنصر أمن سياسي يتتبع خطواتهم إلا أنهم يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويعرفون الثمن الذي يصمت هؤلاء بواسطته، ويغمضون أعينهم وآذانهم، المال وحده كفيل بهم.

بعضهم نصابون ويختفون سريعاً فزبونهم المواطن الأمي أو (الغشيم)، وهم يعرفونه جيداً من منظره وسؤاله، وهؤلاء يختفون ولا يجد المواطن أي أحد ليسمع شكواه فالقانون لا يرحم الضعفاء.. وهنا أيضاً بازار التفاوض على مدة الحصول على الجواز، وسنوات الصلاحية، ووضع طالب الجواز، وسهّل قانون الإصدار عمل المعقبين فقسم لهم الأرزاق عليهم وعلى ضباط الفرع.

الجواز العادي والمستعجل هو ما يمكن التفاوض عليه، ووصل ثمن الحصول على المستعجل إلى 50000 ليرة بينما العادي بين 15000-20000 ليرة، وهذا عدا عن المصاريف الوهمية كرشا الضباط وصف الضباط الذين يملكون مفاتيح الفرع.

حتى المعارضين

قرار النظام الأخير بمنح الجوازات لكل السوريين خصوصاً في بلاد الشتات سمح لمن يعمل داخل البلاد ليستثمر في هذا الشأن فالتعقيدات في الحصول على الجواز من سفارات وقنصليات النظام دفعت بهم إلى القبول بدفع مبالغ طائلة للحصول عليه من دمشق، وهؤلاء المعقبين بدؤوا بالثرثرة حول إمكانية الحصول عليه، فالسيد الرئيس لم يمنعه عن أي سوري، وهكذا يكبر الرقم ليصل إلى 3000 دولار حسب التهمة الموجهة للمعارض و5000 دولار لمن تورط في حمل السلاح (حسب ما يرددون).

أما من هم في سن الخدمة والطلاب الراغبين بالحصول على إذن سفر فهؤلاء لهم تسعيرة مختلفة بعد عمليات السوق العشوائية للجيش حتى في صفوف المؤيدين، وصار جواز السفر شاغل كل الناس الراغبين بإنقاذ أبنائهم من موت محتم باتوا يقتنعون بحصوله في حال ذهابهم للخدمة في صفوف النظام.

وبات السوري يلهث وراء مغامرة مادية جديدة ليست في حدود إمكانياته التي ابتلعها الغلاء والاعتقال وابتزاز عناصر النظام وشبيحته، وضيق الأرزاق وفسحة الأمل.

ترك تعليق

التعليق