في درعا.. لحم العجل أغلى من الغنم والخضراوات تتفوق على الفواكه

تشهد أسواق محافظة درعا ارتفاعاً كبيراً بالأسعار, ولاسيما أسعار الخضار, في سابقة لم تشهدها من قبل تلك المحافظة التي تعتبر من أبرز المحافظات الزراعية المنتجة للخضار في سوريا.
 
وأشار عدد من المواطنين والتجار إلى أن ارتفاع الأسعار يعود إلى انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار، الذي يشهد تصاعداً مستمراً وسريعاً مع فجر كل يوم، حتى وصل مؤخراً إلى عتبات الـ 400 ليرة سورية، في محافظة كان الدولار فيها الأرخص سعراً لوفرته، نظراً لوجود عدد كبير من عناصر الجيش الحر الذين يستلمون رواتبهم بالدولار، وللكم الكبير من حوالات المهاجرين والمغتربين إلى ذويهم في درعا.
 
وأكد المزارع محمد (50 عاماً) أن الخضار لأول مرة في تاريخ المحافظة تصل إلى هذا المستوى من الارتفاع، لافتاً إلى أن الخضار، ولكون المحافظة زراعية، كانت تباع سابقاً بأقل الأسعار، وحتى الفلاح في بعض الأحيان كان يخسر موسم عام كامل بسبب رخص أسعارها.
 
وأشار إلى أنه لم يتوقع أن يصل كيلو الكوسا لنحو الـ 750 ل س، أو الباذنجان إلى 350 ل س، وهي من الخضار غير الضرورية، كما قال.

وأضاف أن أسعار الخضار ارتفعت بشكل جنوني فقد وصل كيلو البندورة إلى نحو 350 ليرة سورية، والفجل وصل إلى 250 ليرة، فيما شهدت أسعار الفواكه مقارنة بالخضار انخفاضاً ملحوظاً، ولأول مرة في تاريخ المحافظة.

عرابي، مهندس زراعي، أكد أن ارتفاع أسعار الخضار يعود إلى قلة الإنتاج، بسبب خروج مناطق كثيرة من المحافظة من دورة الإنتاج الزراعي، لوقوعها قرب نقاط التماس مع قوات النظام، أو لأنها مسيطر عليها من قبله، لافتاً إلى أن المزارع توقف عن استخدام أرضه والعناية بها لعدة أسباب، أهمها فقدان الأمن والأمان كون مساحات شاسعة من الأراضي تقع في المدى المجدي لأسلحة النظام، إضافة إلى عدم توفر مستلزمات الإنتاج الزراعي الضرورية، بسبب الظروف التي تمر بها البلاد.

وقال: "كانت كل المواد الزراعية سابقاً متوفرة بشكل كبير، ولكنها فُقدت وأصبحت نادرة، تزامناً مع إغلاق الحدود مع الأردن، وتحديداً بعد خروج مركز نصيب والمنطقة السورية الحرة الأردنية من الخدمة"، لافتاً إلى أن معظم المواد كانت تصل المحافظة عبر هاتين البوابتين.

وأشار إلى "أن إغلاق المعابر مع الأردن، أثّر بشكل كبير على جميع أنواع التبادلات التجارية، ولاسيما الزراعية منها، حيث كان الفائض من إنتاج المحافظة الزراعي، يصدر عبر الأردن إلى دول أخرى، كما كانت تدخل المحافظة بعض الخضار من  الأردن، وتسد بعض احتياجات السوق، أما الأن فالأمور تغيرت، وأصبح المواطن بشكل عام والمزارع بشكل خاص تحت رحمة مناطق النظام، التي تسمح بعض الأحيان وبمقابل مبالغ كبيرة بإدخال بعض المواد، ولاسيما بعض  مستلزمات الإنتاج، عدا السماد، الأمر الذي ينعكس بأسعاره على حياة المواطنين".

من جهته، أكد عثمان، تاجر خضار، أن "ارتفاع أسعار الخضار ناتج عن أن الإنتاج الزراعي الشتوي في المحافظة شبه متوقف، وأن البيوت البلاستيكية التي كانت تعد بالآلاف في مناطق درعا، لم يعد لها وجود، بسبب عدم توفر البلاستيك الخاص بها، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية المستخدمة في تشغيل الحراقات داخل البيوت البلاستيكية يضاف إلى ذلك الأعمال العسكرية، واستهداف النظام للمناطق المحررة، الأمر الذي يؤدي إلى تخريب البيوت البلاستيكية"، لافتاً إلى أن  البيوت البلاستكية كانت فعالة جداً في الإنتاج الزراعي الشتوي، وتوفر كميات كبيرة من الخضار ولاسيما البندورة والخيار، وتلبي احتياجات السوق رغم ارتفاع أسعارها مقارنة مع الإنتاج الطبيعي.

عبد العظيم، مدرس، يقول "لم تعد تعرف ماذا تأكل فكل شيء مرتفع، والبطاطا كانت تسمى عندنا /لحم الفقراء/، ومتى توفرت تسد الكثير من الاحتياجات الغذائية، لكنها ارتفعت أيضاً بشكل غير مسبوق، ووصل الكيلو غرام منها إلى نحو 280 ليرة سورية".

وأضاف: "تخيل أنا راتبي نحو 30 ألف ليرة سورية، أو ما يعادل 100 كيلو بطاطا, وإذا فكرت أن أستغني عن كل المواد الغذائية وأكلت أسرتي البالغة ستة أفراد، بمعدل 2كغ بطاطا يومياً، فأنا أحتاج لنحو 60 بالمائة من راتبي ثمن بطاطا، و40 بالمائة لباقي الاحتياجات الأخرى"، لافتاً إلى أن أمور المعيشة في مناطق درعا أصبحت قاسية, والمواطن يعاني من فقر شديد بسبب توقف الأعمال ودورة الإنتاج بما فيها الزراعي.

بدوره، أكد عبد القادر، وهو يعمل بتجارة المواشي، "أن ارتفاع الأسعار طال كل المواد بما فيها اللحوم، التي ارتفعت بشكل كبير، وأصبح ولأول مرة لحم العجل أغلى من لحم الغنم، بسبب ندرة العجل، إذ وصل الكغ من لحمه إلى 3 آلاف ليرة سورية، فيما وصل سعر كغم لحم الغنم إلى 2200 ليرة سورية"، عازياً ذلك إلى عدم توفر الثروة الحيوانية وتناقص أعدادها، بسبب عمليات الاستهلاك أولاً، وبسبب عمليات تهريبها إلى خارج حدود المحافظة طمعاً بالأسعار، إذ وصل سعر البقرة الحلوب إلى نحو مليون ليرة سورية، وهي غير متوفرة وقد يرتفع سعرها إلى أكثر من ذلك.

هذا الواقع ألقى بظلاله على حياة المواطن في جنوب سوريا، وجعله أمام ارتفاع الأسعار وضيق ذات اليد وتفشي البطالة، يطرح عدة تساؤلات أهمها: كيف ستستمر الحياة؟، وماذا بعد؟، ومتى ينتهي هذا الوضع؟، دون أن يستطيع الإجابة على أي منها...

ترك تعليق

التعليق