السوريون ورحلة البحث عن الهوية الغذائية في أوروبا


ما إن تطأ قدما السوري الأرض الأوروبية حتى يبدأ بالسؤال عن أشياء تبدو غريبة ومستهجنة بالنسبة للآخرين.. إنه يسأل عن المواد الغذائية التي اعتاد عليها في بلده.. كالملوخية، والكوسا الصغيرة الحجم لأجل المحاشي، والباذنجان المناسب لصناعة المكدوس، والفاصولياء الخضراء، والسبانخ، واللبن ذي النكهة السورية، والجبنة البيضاء، والبرغل والعدس المجروش لصناعة الشوربا، وأدوات صناعة الفلافل، والخبز، وبعض المشروبات كالمتة على وجه التحديد.. إلخ

وهي مواد، غالباً ما يتوفر بعضها في المدن الكبيرة، بينما جل السوريين تم إسكانهم في مدن صغيرة أو قرى لا يمكن الحصول فيها على أي من هذه المواد.. فما هي وسائل التكيف التي أوجدها السوري لكي يحافظ على ثقافته الغذائية في أوروبا..؟، وما هي وجهة نظره تجاه توفر هذه المواد، لكن بالنكهة الأوروبية..؟، أيضاً كيف يستطيع السوريون التمييز بين الأطعمة الأوروبية التي يدخل في مركباتها دهن الخنزير أو الخمور، وهي مواد ليس من السهل تمييزها بينما لا يمكن الاستغناء عن تناولها..؟!

البحث عن الهوية الغذائية
 
قصص كثيرة يتداولها السوريون خلال رحلة بحثهم في أوروبا عن هويتهم الغذائية التي اعتادوا عليها في بلدهم، بعضها لا يخلو من الطرافة، والبعض الآخر فيه محاولات للتجريب والاكتشاف..

يروي أبو حسين، المقيم في فرنسا منذ نحو عامين، أنه لازال يبحث عن السبانخ منذ ذلك الوقت وحتى الآن، دون أن يحصل عليه. لكن في إحدى المرات، أخبره المتجر المغربي الذي يتعامل معه أنه اشترى السبانخ .. ويقول أبو حسين: "عندما أراني السبانخ وجدته قريب الشبه من "سبانخنا"، لكن عندما ذهبت إلى البيت وحاولنا تحضيره كان شيئاً آخر، لا علاقة له بالسبانخ أبداً".
 
أما أبو منيب، المقيم في فرنسا أيضاً، فيقول أنه أجرى عدداً كبيراً من التجارب من أجل الحصول على اللبن بالنكهة السورية، من خلال الاستعانة بأنواع عديدة من الحليب، و"تخثيره" عدة مرات وصولاً إلى "الروبة" الأساسية التي تمكنه من الحصول على النكهة السورية للبن.

 ويتابع: "بعد أكثر من عام من المحاولات والتجارب استطعت الحصول على نكهة قريبة، لكن ليست هي ذاتها نكهة اللبن السوري".

ولا تتوقف المعاناة هنا، بل تمتد تقريباً إلى جميع المواد الغذائية التي يبحث عنها السوريون، هناك دائماً مشكلة، إما بنوعية المادة أو عدم توفرها إلا في المدن الكبرى.. ومنها على وجه التحديد، الخبز، حيث يشكل الحصول عليه في المدن الصغيرة مشكلة المشاكل، ما يضطرهم لاستخدام الخبز الأوروبي، وهو نوع من أنواع "الصمون" القاسي، الذي ليس من السهل التعامل معه، على اعتبار أن الثقافة الغذائية الأوروبية لا تعتمد كثيراً على تناول الخبز مع المأكولات، بينما يشكل الخبز مادة رئيسية في الثقافة الغذائية السورية..

وبهذا الصدد، يروي أبو منيب أيضاً، ما يسميها رحلة المتاعب من أجل صناعة الخبز في المنزل، حيث لا يتوفر في المكان الذي يتواجد فيه الخبز السوري أو اللبناني كما يسميه البعض..

يقول: "اضطررت لشراء معدات فرن كاملة مصغرة، بعد عدة تجارب يدوية فاشلة، وذلك من أجل الحصول على خبز شبيه بخبزنا السوري".

البحث عن الأغذية الحلال
 
يروي عبد الحنان، المقيم في السويد، قصة لا تخلو من الطرافة.. يقول: "دعوت إلى منزلي في ذكرى المولد النبوي، الشهر الماضي، عدداً من الأصدقاء، بينهم سوريون وفلسطينيون وأفارقة، ومن الضيافة التي قدمتها كانت قطع كاتو اشتريتها من متجر سويدي.. وبينما كنا نأكل لفتت العلبة الخاصة بقطع الكاتو انتباه أخ سنغالي من المدعوين.. فطلب منا على الفور التوقف عن تناولها لأنه شك بأن الكاتو معجون بالخمر.. وهو ما ثبت بالفعل بعد أن قرأ المكونات الموجودة على العلبة".

 ويضيف عبد الحنان ضاحكاً: "تخيل، نحتفل بالمولد النبوي ونتناول الخمر دون أن ندري..!!".

ويعتقد عبد الحنان أن الكثير من السوريين تناولوا كمية لا بأس بها من اللحوم غير الحلال، أو المنتجات التي يدخل في تركيبتها دهن الخنزير أو الخمر، ولكن عن غير قصد.
 
ويتابع: "الحادثة السابقة دفعتني للبحث عن الكثير من المواد الغذائية التي نشتريها من المتاجر المعروفة، كبعض أنواع الشوكولا أو الكاتو وبعض المعجنات التي يدخل في تركيبتها الخمر ودهن الخنزير، واكتشفت أننا نتناولها بكثرة دون أن نعرف مكوناتها الحقيقية، لجهلنا بالقراءة من جهة، ولاعتقادنا أن هذه المأكولات عادية ولا يمكن أن تتواجد فيها مثل هذه المكونات".
 
مرحلة مؤقتة
 
ويرى الكثير من السوريين المتواجدين في أوروبا، أن الأمر لن يطول كثيراً، فلا بد أن البعض يفكر حالياً بافتتاح محال تحوي منتجات غذائية سورية كما هو حال المغاربة والجزائرية وباقي الجنسيات كالأتراك والهنود والصينيين، حيث أن لهؤلاء محالهم ومطاعمهم الخاصة بهم التي يجلبون إليها منتجاتهم الغذائية، كذلك الأمر بالنسبة للسوريين، فهو متوقف على استقرارهم وأعدادهم في كل منطقة.
 
ويضرب السيد عدنان النصيرات، المقيم في بلجيكا، مثالاً، مدينة بروكسل، التي يتواجد فيها جالية سورية قديمة وأعدادها لا بأس بها، ما سمح لها أن تفتتح متاجر خاصة بها ومطاعم تقدم المأكولات السورية التقليدية، بما فيها المحاشي واليبرق والكبة بكافة أنواعها.. ويعتقد النصيرات، أن المسألة ليست ببعيدة حتى نرى محال تجارية ومطاعم سورية في الكثير من المدن الأوروبية بما فيها الصغيرة  منها.

ترك تعليق

التعليق