كيف استعصى جبل الشيخ على النظام وشبيحته؟

دخلت قرى جبل الشيخ الحراك الثوري السوري متأخرة قليلاً نظراً للمزيج الطائفي، ومن أجل إحباط خطط النظام بتوريط القرى الدرزية في التحالف معه من خلال تخويفها من جيرانها السنّة الذين خرجوا بمظاهرات تأييداً لإخوانهم الذين يذبحون بدم بارد في الريف الغربي لدمشق، ولكن الانتظار لم يطل حتى انتفضت هذه القرى وأرغمت قوات النظام على الفرار خارج أرضها، وهو ما جعل منها بوابة الإمداد لقرى الريف الغربي لدمشق، وارتبطت أخيراً بجبهة القنيطرة المشتعلة لتشكل معها سواراً للالتفاف على حصار النظام، بحصاره هو، وهذا ما دفعه لإمطارها بالصواريخ والبراميل، ودفع بعملائه في القرى المجاورة لإحراق محاصيل قرى الجبل، الأمر الذي فتح الطريق لصراع ما كان يحبذه أحد.

بيت جن.. ومزرعتها  

أكبر قرى جبل الشيخ، وأول من هتف لإسقاط النظام فيه، وعندما كان الجبل صامتاً نزل أبناؤها ليشاركوا في مظاهرات (المعضمية- قطنا – جديدة عرطوز)، واعتقل منهم الكثيرون وهم في طريقهم إلى قراهم، وعند انطلاق مظاهراتها وصلت أصواتهم إلى قرى الجبل الذين كان أبناؤه يتظاهرون في ساحات بيت جن ومزرعة بيت جن، وهذا ما جعلها معقلاً للثورة، وعندما بدأت الاشتباكات المسلحة ساهم أهلها وأطباؤها في مداواة جراح ثوار المناطق المجاورة.

مزرعة بيت جن، هي الأخرى، تلقت الضريات الأوجع من االنظام على اعتبارها تضم أغلب الفصائل المقاتلة، وانهالت عليها قذائف وبراميل النظام وصواريخه الفراغية، ومع ذلك صمد أهلوها جميعاً في وجه الهجمة الغادرة.

قرى كانت صغيرة

(بيت سوى وبيت سابر وبيتيما)، قرى صغيرة لم تكن تشغل بال النظام، وكان يعتبرها مجرد قرى زراعية لا تصمد أمام قواته وشبيحته ولا يمكن أن تثور أيضاً، فأغلب سكانها له بيوت في العاصمة وأحيائها، وبساتين في الجبل، ولكن الواقع كان مختلفاً فقد أبدى أبناؤها بطولات خارقة عندما حاول النظام اقتحامها أكثر مرة، وسقط الشبيحة بالمئات في معارك مع أهلها الصامدين.

دربل، العنيدة ليست مدينة، ولكنها أكبر من قرية، ثارت كما جيرانها، وفي جبلها العنيد توقفت دبابات وآليات النظام محترقة بعد أن صد ثوارها هجوم الجيش في منتصف هذا العام محاولة اقتحامها، وهي من ساندت قرى الجبل الصغيرة في وقفة عزها.

معركة مفروضة

شهد الشهر السابع محاولات عديدة لزعزعة صمود جبل الشيخ إلا أنها بائت بالفشل، ولكن إصرار النظام على إشراك القرى الدرزية في معركته دفع إلى معركة كان لا بد منها، فرضت على قرى الجبل، وهذا ما حصل بالفعل، عندما قامت ميليشيا الدفاع الوطني الدرزية بمحاولة اقتحام قرية بيت سوى مما أدى إلى قيام الثوار بمحاصرتهم وهذا ما نتج عنه مقتل أكثر من 50 شبيحاً جاء بعضهم من (قطنا- صحنايا)، وتركوا جثث قتلاهم خلفهم، ولم تساندهم أو تفك حصارهم قوات النظام، مما أكد لمشايخ الجبل الدروز أنهم يدفعون ثمن رعونة أبنائهم، وبدأت دعوات للمصالحة لم تنتهي إلى أي نتيجة حتى الآن، إلا أن الهدوء عاد، باستثناء ضربات النظام الغادرة.

اقتصاد الاكتفاء الذاتي

لم تجعُ قرى الجبل بعد، فالناتج المحلي الزراعي يكفي سكانها مع زيادة في أسعار سلع أخرى، كالسكر والزيوت النباتية وغيرها من المنتجات التي لا تؤمنها الطبيعة الخيرة للجبل.

في بيت جن، وحسب تنسيقيتها، بدأت شكاوى المواطنين من تجار الأزمات الذين يستغلون حاجات الناس ويهربون البضائع إليه بالاتفاق مع حواجز النظام، وقال بعض الأهالي حسب ما نشرته الصفحة: "سنبدأ الحديث عن بعض تجار الدم وتجارة الثورة.. الذين جعلوا من لقمة عيش المساكين والمحتاجين.. تجارة لايحللون فيها ولا يحرمون.. خرجت الاهالي للمطالبة بالكرامة والحرية.. وضحت بالغالي والرخيص لنيل مطالبهم.. ولكن البعض منهم تسلق على الثورة وصنع من نفسه تاجراً يحتكر السلع والبضائع.. ليزيد من ربحه الفاحش".

وقد لعب بعض الشبيحة من سكان القرى المجاورة لبيت جن دوراً في الإساءة للحياة الاقتصادية لسكان المنطقة، فعمدوا أيام حصاد القمح إلى حرق المحاصيل، وهذا ما تكرر أكثر من مرة، وكلها تعليمات من مخابرات النظام لإجاعة الجبل والنيل من صموده، كذلك يعمد النظام إلى قصف الحقول وحرق المحاصيل بقذائف الهاون والمدفعية، كما حصل في قرية (مغر المير) المحررة وسواها.

الجبل العصي

ما زال جبل الشيخ عصياً على الغزاة الجدد، وما زال يحمل إرث الكرامة والعناد، والبشر هنا يشبهون جبلهم الأجرد في قسوته وخيراته، قاسٍ وحنون، أبيض أيام الخير، يدفع بالماء للقرى التي تسكن فيه وتحته، وكل محاولات النظام لترويضه باءت بالفشل، ولكن يد المؤامرة والخبث تحاول العبث بتماسكه عبر صبيان الدفاع الوطني، وقلة من المذعورين من الطائفية.

 ويرى بعض العقلاء من الدروز أن هناك محاولات أغرت بعض الشباب للقتال في (خان الشيح)، وهم بالتحديد من أبناء قرية (عرنة)، التي تجد بعض العقول فيها مكاناً لخطاب النظام، فيما قرية مثل (رخلة)، وهي قرية درزية صغيرة ما زال أهلها على علاقة طيبة بجيرانهم.

ترك تعليق

التعليق