رؤية تحليلية لاقتصاد النظام خلال العام 2015.. من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الوهم
- بواسطة فؤاد عبد العزيز – خاص - اقتصاد --
- 27 كانون الأول 2015 --
- 0 تعليقات
النظام تجاهل كل المؤشرات الاقتصادية وحاول العمل على مؤشر واحد فقط، وهو سعر صرف الليرة السورية.
اعتمد النظام في إدارته لمؤسساته الاقتصادية خلال العام الأخير على سياسة الحد الأدنى من كل شيء.
تحولان يمكن اعتبارهما بمثابة الضربة الموجعة التي تعرض لها النظام في العام 2015.
جميع الإيرادات المتوقعة لا تغطي سوى 20 بالمئة من موازنة العام 2016.
الهجرات التي حدثت خلال العام 2015 كانت في أغلبها من مناطق النظام ومن فئة الموظفين على وجه التحديد.
في العام 2016 من المتوقع أن ينكشف النظام على أزمات أكثر إيلاماً.
يقسم الكثير من المحللين، المراحل التي مر بها اقتصاد النظام منذ بدء الثورة السورية وحتى الآن، إلى ثلاثة مراحل.. الأولى، منذ منتصف العام 2011 إلى نهاية العام 2012، ويطلقون عليها مرحلة الصدمة.. وفيها خسر الاقتصاد جل مقوماته التي كان يقف عليها.. والمرحلة الثانية، تمتد من العام 2013 إلى منتصف العام 2014، وفيها حاول الاقتصاد أن يمتص الصدمة من خلال التحول إلى اقتصاد حرب، إذ أعطى فيها الأولوية لتمويل العمليات الحربية لاعتقاده بأنه قادر على إخماد الثورة خلال فترة محددة.. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي بعد منتصف العام 2014 إلى نهاية العام 2015، وفيها تحول الاقتصاد إلى حالة لا يوجد لها شبيه في التجارب الاقتصادية المعاشة حول العالم.. فبعد أن أدرك النظام أن الأزمة ستطول، عاد لإيلاء الأهمية للمؤسسات المدنية لكن في وقت تلاشت فيه الموارد المالية إلى حدود العجز عن تمويل أي شيء بما فيها المؤسسة العسكرية.. لذلك يرى محللون أنه في السنة الأخيرة حاول النظام أن يقدم اقتصاده بصورة يظهر فيها على أنه لايزال يقف على قدميه.. إلا أنه غير قادر على الحركة، لأن القدمين اللتين يقف عليهما، خشبيتان..!!، فما هي أبرز التغيرات التي تعرض لها اقتصاد النظام في العام 2015..؟
عام التغيرات الاقتصادية القاتلة
شكل العام 2015 أو بالتحديد الفترة ما بعد منتصف العام 2014، نقطة تحول كبيرة في اقتصاد النظام السوري، بحيث أن الانهيارات التي تعرض لها هذا الاقتصاد خلال هذه الفترة، تعادل أو تزيد عما حدث خلال السنوات الثلاث السابقة، وهي بالمحصلة كانت نتيجة طبيعة لعمليات التحوط التي حاول النظام السوري من خلالها التعامل مع الأزمة وفق مؤشرات نفسية أكثر منها حقيقية.. لذلك هو تجاهل كل المؤشرات الاقتصادية وحاول العمل على مؤشر واحد فقط، وهو سعر صرف الليرة السورية، معتبراً أن هذا المؤشر، هو الوحيد القادر على إبقاء النظام واقفاً على قدميه ولو بصورة وهمية.. لأنه في حال انهارت قيمة العملة بشكل كامل فإن ذلك سوف يؤدي إلى انهيار المجتمع بالدرجة الأولى ومن ثم انهيار كل مقومات الدولة، وسوف يتحول النظام إلى عصابة أو فريق مثله مثل كل الفرقاء الذين يتقاتلون على الأرض السورية..
لكن على صعيد آخر كانت الانهيارات تحدث بالجملة على باقي القطاعات الاقتصادية.. فعلى مستوى التعليم، انخفضت مساهمة الدولة فيه من 36 مليار ليرة في العام 2010 أي ما يعادل 800 مليون دولار إلى 24 مليار ليرة في العام 2012، وهو مبلغ يساوي في ذلك الوقت نحو 300 مليون دولار، ثم انخفضت المساهمة إلى 17 مليار ليرة في العام 2015 وهو مبلغ وفقاً لأسعار الصرف الحالية يعادل أقل من 50 مليون دولار، مع حساب التبدل الكبير في سعر الصرف خلال العام 2015، والذي افتتح فيه الدولار العام بسعر يتراوح بين 220 ليرة إلى 250 ليرة، ثم وصل إلى حدود الـ 400 مع نهاية العام الحالي.
وأما على مستوى القطاع الصناعي، فبحسب وزارة الصناعة التابعة للنظام، فإن موازنة الوزارة انخفضت إلى أقل من 10 مليار ليرة سورية مقابل أكثر من 33 مليار في العام 2012، ودائماً مع التذكير بضرورة التعامل مع الأرقام وفقاً لتبدلات سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، والتي شهدت الكثير من التحولات في العام الأخير.
وما ينطبق على الصناعة يمكن سحبه على باقي قطاعات الدولة، إذ انخفضت موازناتها إلى حدود دفع رواتب موظفيها فقط، بعد الاستسلام لفكرة أن العودة للإنتاج مكلفة كثيراً ولا طاقة للنظام على تحمل نفقاتها مع وصول الأضرار في القطاع الصناعي لوحده إلى أكثر من 70 بالمئة بتكلفة تقدر بنحو 10 مليارات دولار..
لذلك اعتمد النظام في إدارته لمؤسساته الاقتصادية خلال العام الأخير على سياسة الحد الأدنى من كل شيء، وبالشكل الذي يبقي صورته على أنه دولة، مع عدم إيلاء الأهمية لباقي التفاصيل في هذه الصورة..
غير أن هناك تحولان يمكن اعتبارهما بمثابة الضربة الموجعة التي تعرض لها النظام في العام 2015، وهما على صعيد قطاع النفط والقطاع الزراعي..
ففي منتصف العام 2014، أدى سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على حقول النفط إلى حرمان النظام من أهم موارده المالية، والتي كانت تدر عليه سنوياً نحو ملياري دولار.. وانخفضت حصة النظام من النفط إلى حدود 9650 برميل يومياً من أصل أكثر من 370 ألف برميل يومياً، وتحول النظام إلى مستورد للمشتقات النفطية الأمر الذي زاد من الضغوط على موازنته وعلى أرصدته من العملات الصعبة في المصرف المركزي..
ويقدر محللون حاجة النظام من المشتقات النفطية منذ ما بعد منتصف العام 2014 إلى أكثر من 300 مليون دولار شهرياً، وهو ما حاول تغطيته بحسب مراقبين من خلال الدول الداعمة له كإيران وروسيا وفنزويلا أو من خلال الشراء مباشرة، حيث يرفض النظام الكشف عن الأرصدة المتبقية لديه في المصرف المركزي، والتي كانت مع بدء الثورة السورية تقدر بنحو 20 مليار دولار.
وأما على صعيد القطاع الزراعي، فهو أيضاً تلقى ضربة مؤلمة، عندما لم يستطع خلال هذا العام استجرار محصول الفلاحين من القمح، والذي يقدر بنحو 3.5 مليون طن، إذ لم يستطع الحصول سوى على أقل من 500 ألف طن.. وهي كمية تقل عن الحاجة كثيراً والتي تقدر بأكثر من 1.5 طن سنوياً.. ما يعني أنه سوف يكون مضطراً لاستيراد باقي حاجته وبالعملة الصعبة..
هذا العاملان أربكا النظام كثيراً خلال العام 2015، وزادا من الضغوط التضخمية على موازنته، الأمر الذي دفعه لتبني المزيد من عمليات التحوط عبر إعلانه عن سياسة جديدة في إدراة الأزمة، أطلق عليها "عقلنة الدعم".
وتقوم فكرة عقلنة الدعم على تأمين الموار الأساسية للدولة عبر رفع الدعم وبالتدريج عن المواد الأساسية كالخبز والمشتقات النفطية، فشهدت هذه السلع منذ منتصف العام 2014 إلى الآن ارتفاعات وصلت إلى الضعف أحياناً، ورُفع سعر المازوت ثلاث مرات من 80 ليرة إلى 135 ليرة، وكذلك البنزين ارتفع من 100 ليرة إلى 160 ليرة، والخبز ارتفع من 17 ليرة إلى 35 ليرة.
وفي محاولة من النظام لتأكيد الحالة الوهمية لاقتصاده، حاول في هذا العام ولأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية، إقرار موازنة عامة للدولة بمبلغ 2100 مليار ليرة سورية، أي ما يعادل 8 مليار دولار، وهي موازنة أثارت سخرية المحللين المقربين من النظام، على اعتبار أنه في أي إقرار لموازنة يجب أن يقابله الكشف عن موارد تمويل هذه الموازنة وهو ما لم يفصح عنه النظام، إذ أن جميع الإيرادات المتوقعة لا تغطي سوى 20 بالمئة من هذه الموازنة، وهي إيرادات قادمة في أغلبها من المطارح الضريبية التي حاول النظام تكثيفها في هذا العام.
عام الهجرة إلى الشمال
ولا يمكن أن نمضي في هذا العرض، دون التطرق إلى موضوع اللاجئين السوريين الذي طرقوا أبواب أوروبا في هذا العام، في ظاهرة كانت لافتة، وأثارت ردود أفعال كثيرة على المستوى الدولي.
وقد يرى البعض أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا تخص مناطق المعارضة فقط، إلا أنه بحسب مراقبين، فإن الهجرات التي حدثت خلال العام 2015 كانت في أغلبها من مناطق النظام ومن فئة الموظفين على وجه التحديد، وهي الفئة التي أرادت الحفاظ على مكاسبها وحياديتها خلال الأزمة ثم وجدت نفسها تتحمل جميع الأعباء، وسط تلاشي قدرتها على الاستمرار بالمعيشة ضمن الرواتب التي تتقاضها، بسبب التضخم الكبير في الأسعار.
إذ وصلت الزيادة على الأسعار إلى حدود الفلتان، وتجاوزت الثلاثة أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية، وسط عدم قدرة حكومة النظام على التحكم بالأسواق بسبب انهيار قيمة صرف العملة السورية.
أيضاً، هناك فئة الشباب التي هربت من محاولات النظام لتجنيدها في الحرب ضمن حملة قام بها بعد أن تعرضت قواته لنقص عددي كبير، ما دفع هذه الفئة للهروب خارج البلد، إذ تقدر نسبتها من بين المهاجرين بنحو 30 بالمئة.
ويجب أن لا نغفل أن النظام، سعى ضمن محاولاته لتخفيف الأعباء الاقتصادية عنه، إلى فتح الباب واسعاً لمن يود الرحيل، وهي سياسة كان واضحاً، أن الهدف منها اللعب بالديموغرافية السورية، وفق مخططاته لتفريغ المناطق وإعادة توزيعها وفقاً لاعتبارات طائفية.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد تقديرات رسمية من أية جهة عن أعداد السوريين الذين خرجوا من مناطق النظام، إلا أن هناك من يقدرهم بأكثر من نصف مليون شخص، وأغلبهم هاجر من مناطق سيطرة النظام في دمشق وحمص وحلب ودرعا.
أخيراً
في نهاية هذا العرض نود التنويه إلى أن اقتصاد النظام، يعيش اليوم على المساعدات المقدمة من الدول الداعمة له، من إيران على وجه الخصوص، إذ تقدر مصادر مُقربة، حجم الديون الخارجية بأكثر من 10 مليار دولار، ومع هذا لا يعتبر ذلك مؤشراً عن قرب انهيار النظام اقتصادياً، غير أنه في العام 2016 من المتوقع أن ينكشف النظام على أزمات أكثر إيلاماً، فهو قرر أن يمارس دور الدولة، بينما انحصرت إمكانياته ومقدراته إلى حدود السيطرة على مساحة محدودة، لذلك من غير المستبعد أن يكون العام القادم عاماً مفصلياً في رسم حدود الدولة السورية الجديدة، وفقاً لمقدرات كل طرف من المتصارعين في الداخل ومن بينهم النظام... وهي على الأغلب، مقدرات تم هندستها، لفرض ظرف ما بالقوة الطبيعية، في حال فشلت كل المحاولات لإيجاد مخرج للكارثة السورية..!!
وكل عام وأنتم بخير
التعليق