قصص من درعا.. المرأة تحتل مكان الرجال في نشاطات اقتصادية غير مسبوقة
- بواسطة عمر الشيخ محمد – خاص - اقتصاد --
- 25 كانون الأول 2015 --
- 0 تعليقات
في ظل القيود المفروضة على حركة الرجل في بعض المجالات، ولاسيما تلك ذات الطبيعة الاقتصادية، وبسبب الحصار المفروض على الرجل وملاحقته من قبل سلطات النظام، بدأت المرأة تشق طريقها بقوة في مجالات العمل المختلفة، وباتت تتحمل جانباً كبيراً من المسؤوليات التي كانت ملقاة على عاتق الرجل، فاقتحمت مجالات جديدة كانت إلى وقت غير بعيد حكراً على الرجال، تماشياً مع العادات والتقاليد، لتلعب دوراً ريادياً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بسبب قدرتها على التنقل والحركة بين أماكن سيطرة النظام والمناطق المحررة.
وردة، إحدى الأمثلة على التحول النوعي في الدور الاقتصادي للمرأة، في محافظة درعا، فهي سيدة أرملة، 42 عاماً، قُتل زوجها وابنها البكر، وهي أم لست بنات أكبرهن 12 سنة، لا معيل لها وكان زوجها خلال حياته يعمل بتجارة المحروقات بسيارته الخاصة.
أمام هذا الوضع، قررت وردة مواصلة عمل زوجها في تجارة المحروقات، فتسافر وردة إلى مناطق أخرى مع سائق لجلب المحروقات وبيعها بالمفرق في بسطة أقامتها في قريتها.
تقول وردة، "الجوع لا يرحم، ولا أحد في هذه الظروف قادر على مساعدة الآخر لأن الحال من بعضه"، مشيرة إلى أن الكثير من الزبائن يرأفون بحالها ويشترون منها، الأمر الذي يجعل وضعها المادي والاقتصادي مستوراً، ويحفظ لها ولأسرتها مستوى مقبول من الحياة المعيشية.
إنصاف قصة أخرى، فهي ذات الخمسين سنة، تخبر "اقتصاد"، "كنت أعمل خياطة في السابق، ولكني توقفت قبل الثورة بعدة سنوات، بعد أن تحسنت أحوال زوجي المادية، إذ كان يعمل مقاولاً كبيراً، ولكني اضطررت للعودة إلى عملي كخياطة طلباً للمال بعد أن توقفت أعمال زوجي، وباع كل ما كان يملكه من معدات وآلات من أجل الإنفاق على معيشتنا"، مشيرة إلى أنها إضافة لعملها كخياطة تعمل مع منظمة خيرية، تقيم دورات خياطة للنساء في المناطق المحررة، وما تحصل عليه يسد نفقات أسرتها رغم التعب الشديد الذي تكابده.
أم علي، امرأة في الخامسة والأربعين، قالت لـ "اقتصاد"، "أسافر بين مناطق النظام والمناطق المحررة كل يوم تقريباً، أذهب إلى دمشق، فهناك بعض المواد تباع بسعر التكلفة للساكنين في مناطق سيطرة النظام، فأجلب بعض البضائع وما تسمح به حواجز النظام، كالسكر والغاز وبعض البضائع الخفيفة، وأبيعها في المناطق المحررة، وأحصل على أرباح صافية نحو 3 آلاف ليرة سورية يومياً"، مضيفةً، "صحيح أن السفر متعب جداً، ولكن ما أحصل عليه من مال للإنفاق على أسرتي وتلبية احتياجاتها، ينسيني كل تعبي، إذ لا معيل لي إلا الله، بعد أن فقدت زوجي وبعض أفراد أسرتي في برميل أصاب منزلي ودمره تدميراً كاملاً".
دور النساء الاقتصادي لم يقتصر على المتقدمات في السن، فـ رفاه، شابة، وهي صاحبة سوبر ماركت، تقول "كان هذا المحل لأخي ورثه عن والدي ولكن أثناء ذهابه لجلب البضائع من درعا، اعتقلته قوات النظام على أحد الحواجز، وهو متزوج وله خمسة أطفال، وأمي تعيش معه، فاضطررت للعمل مكانه، وها أنا أعمل في المحل منذ سنتين على غيابه، والحمد لله الأمور تسير بشكل مقبول"، لافتة إلى أن عملها كان مستغرباً كونها لازالت صغيرة في السن، ولكن مع مرور الوقت تعود الناس على وجودها وعلى عملها.
أما عائشة، فهي سيدة في بداية العقد السادس من عمرها، تعمل بائعة بسطة خضار، تقول "أذهب كل يوم إلى سوق طفس لجلب الخضار لبيعها هنا، أترزق منها بعد أن فقدت زوجي بمرض عضال، وولدي أيضاً قُتل في المعركة الأخيرة. تُقدم لي مساعدات وراتب من الفصيل الذي كان يعمل فيه ابني وسلة معونات، ولكنها لا تكفي لمصروفنا الشهري، لدي أربع بنات وطفل عمره 10 سنوات والكل غير منتج، وأنا الوحيدة من يعمل، حتى أرجلي باتت تؤلمني كثيراً بسبب التعب اليومي والبرد، والبسطة لقيتها أربح من غيرها، الحمد لله مستورين".
زهير، سائق حافلة لنقل الركاب على خط دمشق درعا، يقول "إن كل الركاب في الفترة الأخيرة من النساء, وقلما ترى في حافلة تعمل على هذا الخط أكثر من رجل كبير أو رجلين، فالمرأة أصبحت هي أكثر من يمارس النشاطات، وخاصة فيما يتعلق بالأعمال التجارية وبمتابعة الأوراق الرسمية وإخراج جوزات السفر للعائلة، كما أنها تقوم بنقل البضائع الخفيفة وبعض المواد الدقيقة الخاصة بإصلاح وترميم بعض الأدوات الكهربائية والموبايلات واكسسواراتها، كونها لا تخضع أحياناً لتفتيش دقيق من قبل الحواجز".
وأضاف أن هناك بعض النساء ترافق المرضى من الرجال والنساء الذين لا تتوفر إمكانيات علاجهم في مناطقهم، وممن لا يستطيع أقاربهم مرافقتهم إلى المشافي في مناطق سيطرة النظام، وذلك مقابل أجر معين يتفق عليه.
يشار إلى أن إحصائيات أممية بيّنت أن أكثر من ربع الأسر السورية تعيلها امرأة، ولكن ارتفعت هذه النسبة مع مرور الوقت، ومع ازدياد عمليات القتل والاعتقال التي تقوم بها قوات النظام، يضاف إلى ذلك هجرة الكثير من أرباب الأسر بحثاً عن أماكن آمنة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة المرأة السورية، وصمودها في وجه التحديات التي تواجهها، كما أن خبرتها وممارستها وتنامي احتياجات أسرتها الاقتصادية جعلتها لا تجد صعوبة في ممارسة أية مهنة، فهي إلى جانب الرجل في جميع المجالات تقريباً، في محلات بيع الفلافل ومحلات بيع الملابس وفي جميع الأعمال التجارية، منهن من فقدت وظيفتها بسبب أن شقيقها أو زوجها مناصر للثورة، ومنهن من خاض غمار الثورة والتظاهرات وأصبحن مطلوبات للأفرع الأمنية، وبالتالي أصبحن بلا مورد ما دفعهن للبحث عن مصادر رزق، في ظروف أصبحت طاحنة لكل شيء.
التعليق