على أبواب جامعة دمشق.. حينما تُنتهك الأجساد

تقف سعاد كل يوم في طابور التفتيش الطويل على باب كلية الآداب، وهي التي تأتي من ريف دمشق الغربي متجاوزة عشرات الحواجز التي تجعل من طريقها إلى الجامعة عقوبة مضاعفة إذ تخرج من بيتها في السادسة لتصل عند الثامنة حيث ينتظرها الطابور المزدحم الذي يصل إلى أول نفق الأمويين.

نصف ساعة بالتمام هو الوقت الذي حسبته سعاد لتدخل إلى ساحة الكلية التي يتصدرها تمثال الطاغية الأب، بعد أن تمتد أيدي لجان التفتيش على محفظتها وجسدها، ففي الآونة الأخيرة وضعوا فتيات للتفتيش الجسدي، وهن من أوقح الطالبات اللواتي تربين في أحضان اللجان الشعبية وكتائب البعث.

تفتيش.. دبل فيس

رامز، الطالب في كلية الإعلام السنة الرابعة، يتحدث عن مصطلح يتداوله شبيحة الأبواب، هو "تفتيش دبل فيس"، يضحك بمرارة: "أذاقونا المر هؤلاء الكلاب، وأغلبهم ليسوا طلبة، هم من الشبيحة وكتائب البعث، وطائفيون يضعون في أعناقهم الصلبان والسيوف التي تدل على انتماءاتهم، عدا عن تخوينهم للجميع، واعتراضهم لمن يشاؤون، ويبدؤون بأسئلة من نموذج: اذهبوا للجيش ودافعوا عن البلد.. ماذا نستفيد من دراستكم.. الوطن أهم من كل كتبكم..؟".

أما عن التفتيش المذل، فيروي حازم، الطالب في قسم اللغة العربية، أن ما يمارس من إذلال جعله يداوم فقط يوماً واحداً في الأسبوع، فالشبيحة المفتشون يمدون أيديهم إلى كل شيء، الكتب والأطعمة، حتى كيس (الشيبس)، والأكثر إهانة يمدون أيديهم إلى أجسادنا، فتشعر بأن غايتهم هي الإهانة وليس التفتيش.


أبو حيدر الوحش

من يعرف أبو حيدر من الطلبة يقول أنه رجل الأماكن المتعددة، فهو يداوم صباحاً على باب كلية الآداب، وبعد الظهر أمام كراج السومرية، يبيع الأفلام الإباحية، إضافة إلى مهمته الأساسية كمخبر.

الرجل الضخم الذي يجلس على الكرسي المعدني يشير بإصبعه إلى العناصر الواقفين على الباب فقط، فيأتون له بمن يعتقد أنهم مشبوهون، ويبدأ التحقيق بعد أن ينظر إلى الهوية الشخصية، وويل لمن تكون إقامته أو خانته من منطقة ساخنة، وتروي فاطمة كيف أذلها هذا الشبيح لأن خانتها (داريا)، وكيف عاملها كقاتلة ومتعاونة مع "الإرهابيين" الذي يقتلون الأبرياء، وفي آخر الأمر، "دواعش"، قالها في ظهرها وهي تبتعد.


بلباس التدريب الجامعي

يوم التدريب الجامعي يوم مميز في المعاملة الدنيئة، هذا يوم التشبيح على الطلبة من الباب إلى المحراب كما يقول محمود، فعناصر الباب يبدؤون بالسخرية من لباسنا العسكري، أحد هؤلاء الشبيحة ينادي علينا: "استرح..استعد...متى ستذهبون إلى المعارك"، وأما نصيبنا نحن الطلبة من الريف فهو بعد الاستعداد والاستراحة يبدأ الشبيح بالسؤال: "متى ستلتحقون بالجيش الحر، ندربكم لكي تحاربونا؟".

في ساحة التدريب الجامعي تستمر حفلة الإهانة الجماعية وهذه المرة من الضابط: "ألا تعتقدون أن جبهات القتال أفضل من هذه الدروس الأسبوعية التي لا تجدي، وأنتم ألا تشعرون بالخجل من دم الشهداء فيما أنتم تقضون استراحتكم بين البنات، وهم في الخنادق"، وهكذا...

إذلال مدروس

الجامعة أصبحت مرتعاً للشبيحة من الطلبة والدخلاء، وأغلبهم تخرجوا ولم يدخلوا امتحاناً، أو دخلوا فقط من أجل أن لا يحرجوا معلميهم، فهم يحمون الجامعة من "الإرهابيين"، فهذا يلزم الجامعة بترفيعهم تلقائياً كما كان حزب البعث يشرعن دخول كليات الطب والهندسة لطلاب فاشلين فقط لأنهم التحقوا بدورات الصاعقة أو دورات القتال البعثية.

أما بقية الطلبة فهم خونة أو جبناء، فيجب أن يكون نصيبهم الذل والإهانة لأنهم "يتركون الوطن دون حماية".

ترك تعليق

التعليق