كيف وصل "المازوت الداعشي" بدلاً عن "المازوت الأسدي" إلى مناطق درعا المحررة

لا صراخ ولا استغاثات في حوران هذا الشتاء.. ولا صور لمدافئ على الحطب أو الأحذية تعكس مأساة الأهالي، كما تعودنا خلال السنوات الثلاث الماضية.. والسبب أن أغلب الناس استطاعت أن تؤمن مؤونتها هذا الشتاء من خلال ما بات يعرف بـ "المازوت الداعشي".. فما قصة هذا المازوت..؟، وكيف استطاع أن يقطع كل هذه المسافات من دير الزور والعراق ويصل إلى مناطق درعا بأسعار معقولة..؟!

المازوت الداعشي
 
على أطراف مدينة السويداء المتصلة مع البادية والقريبة من مناطق درعا، يتواجد هناك عدد كبير من السماسرة الذين يبيعون "المازوت الداعشي" للتجار والأفراد وبالكميات المطلوبة.. وبحسب معلومات حصلنا عليها من ناشطين طلبوا عدم الإشارة إلى أسمائهم، فإن أغلب هؤلاء السماسرة مرتبطين بالكتائب العسكرية للمعارضة، والذين تحولوا مع ركود المعارك في المنطقة الجنوبية إلى تجارة المازوت والتي أصبحت تدر عليهم أرباحاً كبيرة..!!

ويضيف هؤلاء الناشطون، أن تجارة "المازوت الداعشي" تسلك طريق البادية الواصلة بين درعا والسويداء مروراً ببادية الشام ووصولاً إلى مناطق دير الزور، مشيرين إلى أن الطريق طويلة ووعرة، لكنها بعيدة عن أعين النظام، وهي في أغلبها تخضع لسيطرة المعارضة..  

من جهته، يشير الناشط سامر المقداد، إلى أن الأهالي في مناطق درعا فوجئوا في نهاية صيف هذا العام بوجود صهاريج تتجول بحرية بين القرى، وتبيع مازوتاً سيء التكرير لكن بأسعار تقل كثيراً عن أسعار مازوت النظام الذي كان يباع في المناطق المحررة بأضعاف سعره عن مناطق النظام..

ويضيف المقداد، أن العملية في البداية كانت تتم بالخفاء وعن طريق سماسرة يقومون بشراء هذا المازوت بسعر زهيد ويبيعونه للأهالي بسعر مرتفع.. ولكن بسبب تعدد السماسرة، واحتدام المنافسة، وازدياد الطلب، بات الأمر مكشوفاً، وأصبحت هذه الصهاريج تتجول بمنتهى الحرية بين أرياف درعا، لافتاً إلى أن هذه الصهاريج تتبع لأشخاص وتجار أغلبهم من أبناء المنطقة..

 ويتابع الناشط المقداد، بحسب ما علمنا فإن هذا المازوت قادم في أغلبه من حقول النفط التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في دير الزور والبعض قادم من مناطق سيطرة التنظيم في الأنبار في العراق، نافياً معرفته بطريقة قطع المازوت كل هذه المسافات للوصول إلى مناطق درعا، لكنه أشار إلى أنه بحسب التجار الذين يبيعون هذا المازوت، فإنهم يعرضونه وفقاً لأسعار مختلفة، حسب مصدره ودرجة تكريره.

ويستطرد المقداد، أن هناك على الأقل أربعة أنواع للمازوت، أفضلها المازوت الإنباري القادم من العراق، والذي يباع بسعر 235 ليرة لليتر، مشيراً إلى أنه  يمكن استخدامه للسيارات الكبيرة بعد خلطه بمازوت النظام.. أما الأنواع الأخرى فهي تقل من 10 إلى 25 ليرة عن المازوت الإنباري، وهي تستخدم لأغراض التدفئة فقط.

ويرى المقداد، أن هذا السعر المنخفض بالمقارنة مع مازوت النظام، والذي يصل سعر الليتر فيه إلى أكثر من 500 ليرة في كثير من الأحيان، سمح للأهالي أن تؤمن مؤونتها من المازوت لأهداف التذفئة، لافتاً إلى أن الكثير من الأسر استطاعت أن تشتري بالحد الأدنى من برميل إلى اثنين، وبعض الميسورين استطاعوا ملئ خزانات منه، تحسباً لانقطاع هذه المادة في الفترات القادمة.

حتى لو كان "مازوت الشيطان"
 
بدورها أشارت الناشطة، التي تطلق على نفسها اسم "سارة الحوراني"، أن سياسات الحصار والتجويع التي مارسها النظام في السنوات السابقة على مناطق درعا المحررة، جعلت الناس خلال الشتاء تستخدم ملابسها وأحذيتها وأثاث منزلها في عمليات التدفئة، وهم كانوا دائمي البحث عن حلول إلى أن انتشرت في هذا العام ظاهرة "المازوت الداعشي"، مشيرة إلى أن الناس لا يهمها التسمية، حتى لو كان مصدر هذا المازوت من الشيطان.. فالأهم  عندها أن تقي نفسها وأطفالها من برد الشتاء، إذ من المتوقع أن يكون هذا الشتاء قاسياً كما سابقه.
 
 وأضافت الحوارني، أن أسعار الحطب وصلت إلى أكثر من 40 ألف ليرة للطن، وهو مبلغ كبير لا يمكن لأسرة ضمن الظروف الحالية أن تتحمله، إضافة إلى أن الطن بالكاد يكفي لمدة شهر تدفئة، لافتةً إلى أن المازوت القادم من مناطق تنظيم الدولة هذا العام، ساهم كثيراً في حل مشكلة التدفئة.. وباتت حسب وصفها من الماضي البعيد، كون الناس سرعان ما تتناسى مأساتها مع أي تحسن على الظروف.

وأشارت الحوراني إلى أن أسعار المازوت القادم من مناطق التنظيم كانت خلال فترة نهاية الصيف مرتفعة كثيراً، لكنها في الفترة الحالية تتراوح بحدود 150 ليرة لليتر، وبحسب بعد المكان عن مناطق تجارته وسلامة طرق التجارة، وأضافت أن مناطق درعا  الواقعة تحت سيطرة المعارضة، يصل إليها هذا المازوت بسهولة وبتكاليف منخفضة، بينما في المناطق الأبعد فقد يتجاوز السعر الـ 200 ليرة لليتر.

وأوضحت الناشطة الحوراني أخيراً، بأن "المازوت الداعشي" يصل من السويداء، في تأكيد للمعلومات التي حصلنا عليها من باقي الناشطين عن مصدر هذا المازوت وطرق تجارته.

المازوت الأسدي

من جهته يقول الناشط أبو أسامة، بأن الناس عانت خلال السنوات الماضية من تحكم عصابات الأسد بدخول المواد الأساسية للمناطق المحررة وعلى رأسها المازوت، حيث وصل سعر ليتر "المازوت الأسدي" بحسب وصفه، إلى أكثر من 700 ليرة في بعض الأحيان، بالإضافة إلى عدم توفره.. بينما سعره في المناطق التي يسيطر عليها النظام نحو 130 ليرة.. ويرى أبو أسامة هذا الفارق الكبير في السعر، أدى إلى انتشار تجارة جديدة، كان يقوم بها بعض المغامرين الذي يستطيعون الحصول على كميات قليلة من "المازوت الأسدي" عبر طرق مختلفة، ثم يبيعونه بعلب صغيره لأغراض وسائط النقل فقط.. حيث أنه من المستحيل أن تجد أسرة قادرة على تمويل حاجتها من مازوت التدفئة خلال الشتاء بكميات كبيرة وبسعر مرتفع.

ويضيف الناشط أبو أسامة، هذا العام استطاع بعض المغامرين الآخرين أن يجلبوا المازوت الذي يستخرجه تنظيم "الدولة" من حقول دير الزور إلى مناطقنا بسعر يختلف باختلاف بعد المنطقة عن مواقع تجارته التي تقع غالباً في البادية القريبة من منطقة اللجاة، الأمر الذي دفع أغلب الأهالي تقريباً إلى تخزين حاجتها منه لفصل الشتاء.

ويتابع أبو أسامة، بالنسبة للمازوت "الداعشي"، هو سيء التكرير ولا يصلح لوسائل النقل إطلاقاً، لكنه يؤدي الحاجة لأغراض التدفئة، مشيراً إلى وجود محاولات من بعض الخبراء لإعادة تكريره من جديد عسى أن يصبح صالحاً لوسائل النقل، لكنه لفت إلى أن هذه المحاولات لم تنجح حتى الآن.

ترك تعليق

التعليق