1650 طفلاً في الرستن يواجهون كارثة إنسانية بسبب فقدان الحليب


"ريتاج شمير"، طفلة سورية من مدينة الرستن لم تبلغ الشهر الثامن من عمرها تعاني من مرض سوء امتصاص منذ ولادتها، وأرهق علاجها كاهل أهلها مادياً فهي بحاجة إلى حليب من نوع خاص حيث يبلع ثمن العلبة منه 2450 ليرة سورية، وباتت ريتاج اليوم مع أكثر 1650 طفلاً في الرستن محرومين من غذائهم الأساسي نتيجة الحصار الجائر المفروض على الرستن من قبل الحواجز المحيطة بها من كل الجوانب، وبسبب تخلّي المنظمات والجهات الإغاثية عن تأمين الحليب لأطفالها، رغم مناشدات كثيرة من جهات إغاثية.

إحدى الجهات الإغاثية التي ناشدت كثيراً لإنجاد أطفال الرستن، مكتب رعاية الطفل والأمومة في المدينة، الذي ساهم ولا يزال في تأمين حاجيات الأطفال ومستلزماتهم الضرورية في المدينة التي كانت من أوائل المدن السورية التي ثارت على نظام الأس، كما تقول مديرة المكتب، مها أيوب، لـ"اقتصاد"، مشيرة إلى أن الرستن تعيش منذ أربع سنوات ونيف حصاراً خانقاً وانقطاعاً تاماً عن العالم الخارجي مما سبب ضغطاً على السكان، اقتصادياً واجتماعياً، وبات الكل يعانون من صعوبة تأمين أبسط أمور حياتهم ومن بينها تأمين الحليب لأطفالهم.


 وتضيف أيوب أن "أهالي الرستن وقفوا عاجزين عن تأمين هذه المادة لفقر الحال، مما جعلني أفكر في إنشاء /مكتب رعاية الطفل والأمومة وذوي الاحتياجات الخاصة/ في الرستن مع بعض صديقاتي، والذي يُعنى في جزء كبير من اهتماماته بتأمين الحليب المجاني لأطفالنا ومساعدتهم على البقاء أحياء خلال هذه المرحلة نتيجة الحصار".

وتشير محدثتنا إلى أن مكتب رعاية الطفل والأمومة "أصبح في الآونة الأخيرة يجد صعوبة في تأمين هذه المادة الضرورية في تغذية الأطفال ونمائهم أو تأمين الدعم المالي لشرائها".

 ولفتت أيوب إلى أن "المكتب أطلق نداءات عدة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من أجل تنبيه العالم إلى معاناتنا في تأمين الحليب لأطفالنا، وبالتالي إيجاد من يساندنا في هذا الجانب. وخاصة مع انعدام آلية معينة لتأمين الحليب نتيجة الحصار، فما يتحكم بنا هو حصار خانق وتجار الدم والانقطاع التام عن العالم".

يبلغ عدد الأطفال المسجّلين في مكتب رعاية الطفل والأمومة 1650 طفلاً رضيعاً هم بحاجة للحليب في مدينة الرستن لوحدها كما يوجد في الريف– بحسب محدثتنا- ما يقارب هذا العدد أيضاً. وتستطرد أيوب بالقول: "أهم أولوياتنا هي تأمين هذا الحليب لأنه ضروري في هذه المرحلة العمرية من حياة الطفل حيث نقدم الحليب للرضع من عمر يوم إلى سنة وبكمية قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع لكن بالحد الأدنى الذي نحافظ فيه على حياة الأطفال أحياء".

وحول كيفية تدبير الأمهات لأمورهن في ظل انقطاع الحليب المجفف وبخاصة بالنسبة للأطفال الرضع، وهل هناك بدائل يعتمدن عليها، قالت السيدة مها أيوب بنبرة مؤثرة: "لاشك أن العنوان العريض في هذه المرحلة للناس في الرستن أجساد عارية وبطون جائعة وقلوب خائفة وهذا بالنسبة لحال الناس عامة أما الأم وبخاصة المرضعة فمعاناتها مضاعفة في ظل الخوف والرعب الذي تواجهه كل لحظة تحت الطيران الأسدي والقذائف والصواريخ من الكتيبة المحيطة بالرستن مما جعل الحليب يغور في أثداء الأمهات ويجف، ولم تعد الأم تستطيع إرضاع ابنها وتقف عاجزة أمام تأمين الحليب لأطفالها، وخاصة في المرحلة العمرية الأولى من حياة الطفل أي من عمر يوم إلى ستة أشهر، حيث لا يوجد بدائل للطعام مما يضطر الأم أحياناً، لكي يبقى ابنها على قيد الحياة، إلى استعمال حليب الحيوانات، وهو غير ملائم لهذه المرحلة العمرية، ويسبب بعض الأمراض نتيجة عدم التعقيم الجيد وسوء الاستعمال".

ونوّهت مها أيوب إلى صعوبات أخرى في تأمين احتياجات للأطفال عدا الحليب ومنها –كما تقول- "الفوط، وخاصة نحن في بداية فضل الشتاء حيث لا تدفئة ولا مواد صحية في المنازل ولا ماء مما يشكل تحدياً في حياة الأم وتأمين النظافة والصحة لابنها في هذه الظروف القاسية". وتتابع محدثتنا أن "الرستن تعاني إضافة إلى ما ذكرنا من انعدام وجود لقاحات الأطفال والأدوية اللازمة لهم في هذا الفصل البارد".

اعتمد مكتب رعاية الطفل والأمومة فيما سبق على أصحاب الأيادي البيضاء والقلوب الرحيمة من أفراد ومعارف وأقارب وجمعية لجنة الوفاء التركية لإغاثة محافظة حمص، وعدا ذلك لا يوجد جمعيات أو مؤسسات إغاثية متخصصة في تأمين الحليب للأطفال -كما توضح مديرة المكتب-، مشيرة إلى تقصير وحدة تنسيق الدعم في الائتلاف في هذا المجال، "إذ لم نرى منهم أي دعم سوى لمرة واحدة خلال السنوات الأربع والنصف الماضية"، –كما تؤكد– مضيفة أن "موضوع الحليب ومساعدة الأطفال على البقاء أحياء هو آخر ما يفكرون به".

وتوجهت أيوب إلى المنظمات التي تهتم بالطفولة وخاصة منظمة اليونسيف قائلة: "أطفالنا يواجهون الموت كل لحظة قصفاً أو إعاقة أو فقراً أو جوعاً وأنتم غير مبالين رغم نداءاتنا الإنسانية المتكررة"، وأضافت بحدة: "لتذهب كل منظمات حقوق الإنسان والطفولة إلى الجحيم فلم نعد نؤمن بأهدافها التي تنادي بها ولا بشعاراتها الرنانة وبخاصة تجاه ادعائهم حماية الأطفال".

ترك تعليق

التعليق