دمشق القديمة.. أسواق أم خنادق حرب وقصص عما مضى


لم يعد الطريق آمناً إلى باب توما، وباب شرقي مكتظة بالعسكر والشبيحة، ودوريات التفتيش عن هاربين من الخدمة في جيش النظام تقف في أول الحميدية، وباب الجابية ليست أفضل من طريق القلعة الذي صار وكر حب وعشق للشبيحة الذين احتلوا الحديقة البيئية وطريق النهر الواصل إلى ساحة باب توما حيث يحتفل الشيعة بأعيادهم في قلب العاصمة الأموية، كما يعتقدون، فهم ينتقمون من قتلة أئمتهم، وحتى الكنائس علت جدرانها الرايات السوداء...إنها دمشق القديمة التي باتت ثكنة حقد وعسكر.

باب الجابية.. للعجائز

هنا كان يجتمع الباحثون عن عمل، وهنا كانوا يضعون عدة العمل أمامهم ينتظرون من يأخذهم للحمل أو لبناء جدار أو رمي بقايا عمليات البناء خارج المدينة.. ولكنهم الآن اختفوا دفعة واحدة إلا بعض كبار السن غير آبهين بدوريات الشرطة والأمن التي تعتقل كل من هو في سن الخدمة أو الاحتياط.

أما السوق الذي كان ملاذاً للفقراء الهاربين من أسواق الغلاء إلى البسطات الشعبية، والمحلات التي ما زالت تبيع البضائع الشعبية من ألبسة وحلويات وبالة، تغيرت أوضاعها عن ذي قبل، فالأسعار ارتفعت لتشابه غيرها، وأما ما هو رخيص من لباس فغير صالح ومهترئ، ولم يعد بمقدور السوري أن يشتري لصغاره من باب الجابية قميصاً وبنطالاً بـ 1000 ليرة سورية، ولم يعد سعر كيلو العوامة أو المشبك 50 ليرة سورية فأرخصها 200 ليرة سورية.. سوق الفقراء في باب الجابية لم يعد أيضاً لهم.

باب توما.. السوداء المقفرة

مساء باب توما الحافل بالمشاوير والتسوق لم يعد كذلك، فباب توما مساء للاحتفالات الكرنفالية بالرايات السوداء واللطم، والسوق يغلق أبوابه خوفاً من أي طارئ، ولا يخلو النهار من قذيفة هاون أو اشتباك مفاجئ، والحواري المسيحية الدافئة محشوة بالدوريات المشتركة، وحواجز الدفاع الوطني التي ترفع الرايات الإمامية التي تلبي نداءات زينب والحسين، وحسناوات باب توما اختفين من مشاوير المساء.

السوق الكبير كان زواره من ريف العاصمة وقلبها، أما اليوم فسكان الغوطة الذين كانوا يعتبرونه سوقهم يعيشون في حصار خانق منذ أكثر من ثلاث سنوات، والأسعار تسابق الدولار كل يوم سعر جديد.

أنطون، تاجر، وصاحب محل ألبسة: "الله يرحم أيام باب توما، تغيرت الحال منذ ثلاث سنوات، والآن نحن بالكاد نعيش كالبشر، والزبائن اختفوا فأنا لي زبائن من دوما وسقبا وعربين، هؤلاء كانوا زبائني لعشرين عاماً، وكل لباس العيد والمدارس يشترونها من باب توما ولكنهم اختفوا".

شيركو، صاحب محل: "الأسعار ارتفعت من بداية الأزمة حتى الآن بنسبة تجاوزت 700%، وهذا لم يعد يقدر عليه الناس، فأغلب زبائننا من متوسطي الدخل والفقراء، وسوق باب توما هو لهذه الشرائح على عكس الصالحية والجسر الأبيض، نحن نقدم الجيد بسعر معقول، ومع الحرب هرب كثير من التجار من السوق وكثيرون باعوا أملاكهم، وتغيرت أجواء السوق فلدينا الآن تجار لا نعرف عنهم شيئاً، وأصحاب محال تجارية أتوا من خارج دمشق وصاروا مُلاكاً".

النوفرة.. الزبائن كانوا هنا

مات حكواتي النوفرة ومعه كما يقول أحد الزبائن ماتت النوفرة، وكما ترى أغلب الزبائن هم ممن تجاوز سن التجنيد والاحتياط، وأما الشباب فإما على الجبهات أو هرب خارج البلد، والنوفرة كانت دليل حياة دمشق.

الطريق |إلى النوفرة من الحميدية يعج بالبشر، ولكن ما إن تتجاوز الجامع الأموي حتى تخف الحركة ففي نهاية الطريق الواصل إليها تبدأ مظاهر العسكرة، وبعدها بـ 20 متراً بالضبط حاجز اللجان الشعبية، وهو حاجز جيش مع لجان طائفية، وعلى جدران الحارة القديمة ثمة كتابات طائفية انتقامية، وعيون تتفحص العابرين وتطلب هوبات البعض رجالاً ونساء، ومعها لا تستطيع التصوير أو حتى إخراج موبايلك الذي سيخضع للتفتيش.

زبون آخر من النوفرة: "أنا الوحيد المتبقي من (شلة) تتجاوز العشر أشخاص كنا زبائن دائمين في النوفرة، بعضهم معتقل والآخرون  هربوا، وواحد غرق في البحر مع أولاده".

باب شرقي.. خط المعركة

تدخل باب شرقي مسرعاً من عمق باب توما، اللجان الطائفية والشعبية، شيعية ومسيحية، والكنائس الوادعة (حنانيا) مثلاً ما زالت على حالها لكن شعوراً بالخوف ينتابك فتقرر أن تكمل طريقك إلى السور، ومن ثم تركب أي وسيلة نقل وتعود إلى قلب المدينة فهنا بالضبط تشعر بأنك على خط الجبهة بين الغوطة والعاصمة، ومناظر الخراب تبدو لك على مشارف المليحة، وتواجد عسكري يخفي خلفه رائحة الموت وأنين المحاصرين.

ترك تعليق

التعليق