برد قارس وصقيع يباغت أهالي درعا ويقض مضاجعهم

هاجم البرد القارس والصقيع السوريين في المنازل المهدمة والمخيمات بغتة هذا العام، قبل أن يتحضروا له بشكل جيد ضمن ما يتوفر من إمكانيات، وهو العام الخامس من الشقاء الذي يعاني منه السوريون في ظل نقص حاد بكل المكونات، بسبب قلة الموارد لدى المواطن السوري بشكل عام، وأهالي درعا بشكل خاص، حيث المعاناة أكبر، لفقر ذات الحال، ونقص الإمكانيات في هذه المحافظة، التي يعتمد سكانها على الزراعة كأحد أهم الموارد المدرة للدخل للسواد الأعظم من المواطنين.

وأشار الناشط الحقوقي، حسين المحمد، إلى أن "ظروفاً قاسية يعيشها المواطن السوري هذا الشتاء، الذي جاء ببرده القارس وصقيعه الشديد، مبكراً هذا العام، حيث لا مواد للتدفئة بعد أن احتطب الناس كل الأحراش والغابات الاصطناعية والطبيعية والأشجار على جوانب الطرق في الأعوام السابقة من عمر الثورة السورية"، لافتاً إلى أن الناس تشتري طن الحطب المخزن من الأعوام السابقة لدى تجار الأزمات بنحو 70 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل مئتي دولار لا يملك المواطن 10 بالمائة منها.

ولفت المحمد إلى أن المواطنين وأمام ضيق ذات اليد وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، بدأوا بقطع بعض الأشجار المثمرة، ولاسيما أشجار الزيتون، وبعض الأشجار في الحدائق المنزلية والحواكير، لاستخدامها في التدفئة والطبخ، بعد أن نفذت كل الأشجار الحراجية وغير المثمرة، لافتاً إلى أن ما تم قطعه من أشجار حراجية يحتاج وفق مهندسين زراعيين إلى نحو خمس سنوات، ليعود إلى سابق عهده من نمو، وليصبح قابلاً للاستخدام.

وأضاف المحمد أن المسألة لا تقتصر على ارتفاع أسعار الحطب، بل تزداد معاناة المواطن في ظل غياب وفقدان مواد البناء مثل الاسمنت والحجارة الخاصة بترميم بعض المنازل، التي طالها القصف بشكل كلي أو جزئي، وهو أمر يفاقم المعاناة ويزيد من صعوبة الوضع الإنساني، حيث من الصعوبة بمكان الحصول على هذه المواد، التي تقع مراكز إنتاجها تحت سلطة النظام، الذي يمعن في الحصار على سكان المناطق المحررة بشتى الوسائل والطرق.

ويقول أحمد، 45 عاماً، وهو أحد النازحين والهاربين من القصف الذي تقوم به قوات النظام إلى مخيم أقيم في الجنوب السوري على عجل، "انظر إلى هذه الخيم المهترئة, كيف لها أن تقينا هذا البرد الشديد، وهذه الرياح العاتية"، لافتاً إلى أنه كلما حاول ترميمها بقطعة قماش، تعود وتتفسخ بفعل شدة الرياح، مضيفاً، "الكل عاجز هنا عن تقديم أي شيء لنا، بسبب الأعداد الكبيرة للنازحين، وقلة ومحدودية الإمكانات لدى اللجان الإغاثية في المنطقة".

ويقول عثمان، 38 عاماً، وهو أحد سكان المخيم، "كنا العام الماضي في إحدى المدارس وكانت أمورنا مقبولة، على الأقل نجلس في غرف إسمنتية تقينا البرد والحرارة، لكن بسبب قصف المدارس وعدم كفاية الصفوف، تم إخراجنا إلى هذا المخيم، حيث الخدمات شبه معدومة"، وعقب عثمان، "انظر إلى هذا الوحل وإلى هذه المياه المتجمعة هنا، كلها تدخل إلى الخيم بسبب رداءة نوعيتها وقدمها، فهي لم تعد صالحة للسكن، كأنك تعيش بالعراء تماماً".

رائد، 42 عاماً، بائع  بسطة خضار، قال "سئمنا كمواطنين كل ذلك, الكل يتقاذف بنا كالكرة لا احترام ولا كرامة الكل يود التحكم بالناس، الخدمات معدومة والأسعار مرتفعة جداً، والآن وبسبب الإقبال والطلب على المشتقات النفطية بسبب ضرورتها للتدفئة، يعمد تجار الأزمات إلى احتكارها لبيعها بأسعار أعلى، وهكذا يمارس التجار على المواطن حصاراً يوازي حصار النظام للمناطق المحررة، والكل يتعاون على إذلال المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة".

من جهته، أكد الدكتور يعقوب العمار، رئيس مجلس محافظة درعا للإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة، "صعوبة الوضع الإنساني في محافظة درعا خلال موسم الشتاء الحالي", لافتاً إلى أن المدارس سوف تتعطل نتيجة عدم وجود وسائل للتدفئة، وخاصة في منطقة اللجاة التي تعاني من عدم وجود مدارس بسبب استهدافها من قبل قوات النظام وتدمير معظمها بشكل كلي.

وقال العمار، "إن المدارس في اللجاة تقام في العراء، وهي عبارة عن خيم بالية تفتقر لأبسط الشروط الإنسانية، ولا تقي الطلاب برودة الطقس أو حر الصيف"، داعياً المنظمات الإنسانية والإغاثية إلى مد يد العون والمساعدة لهذه المنطقة في الجنوب السوري، التي تعاني ظروفاً اقتصادية وإنسانية صعبة، في ظل عجز المنظمات الإغاثية في الداخل عن تقديم أي عون أو مساعدة لها، بسبب عدم وجود الإمكانيات، وانقطاع الكثير من المساعدات الإغاثية عن المنطقة.

من جهته، قال الممرض جواد، من منطقة  اللجاة، "إن المرضى في هذه المنطقة يعانون بشكل استثنائي بسبب استهداف المشافي الميدانية، وهم أيضاً في أبنية مهدمة، والبرد يفتك بهم بسبب عدم توفر المشتقات النفطية ووسائل التدفئة، يزيد على ذلك عدم وجود تيار كهربائي منذ أكثر من عامين، وعدم وجود أدوية أو أجهزة"، لافتاً إلى أن المريض يموت أحياناً بسبب عدم توفر أدوية وعقاقير طبية عادية، تتوفر عادة في أبسط المشافي، "لكنها عندنا ليست متوفرة".

عايد، مدير مدرسة في المنطقة الجنوبية، قال، "لا يوجد في مدرستنا ما نتدفأ به، فقامت إدارة المدرسة بقص الأشجار المعمرة في الباحة، لاستخدامها في التدفئة"، لافتاً إلى أن هذه الأشجار عمرها عشرات السنوات، وكانت دائماً تقي الطلاب حرارة الصيف، في الاستراحات بين الدروس".

وأشار  إلى أن الصيف القادم سيحرق الأطفال أو سيضطرهم إلى البقاء خلال الاستراحات في القاعات الصفية، لعدم وجود ما يستظلون به خلال الاستراحات.   

ترك تعليق

التعليق