في درعا.. حينما يصبح المحامي لحّاماً


أدت ممارسات نظام بشار الأسد الانتقامية ضد أفراد الشعب السوري خلال ثورة الكرامة والحرية التي قطعت شوطاً طويلاً  في عامها الخامس، إلى رمي آلاف المثقفين على قارعة الطريق وإجبار المئات منهم على ممارسة مهن وأعمال  قديمة، مارسها الآباء والأجداد في سنوات سالفة، وذلك لتأمين  لقمة العيش للعائلات، وتأمين احتياجاتها.

ويشير الناشط الحقوقي، أيمن الحسن، إلى "أن عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، وجدوا أنفسهم في الشوارع بعد اعتقالهم لفترات محدودة، وفصلهم من وظائفهم، لاسيما في محافظة درعا التي أطلقت شرارة الثورة السورية، ما شكل جيشاً كبيراً من العاطلين عن العمل، وأسراً بلا معيل، لا يوجد من يستطيع الإنفاق عليها، في ظل ظروف إنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم، نتيجة استنزاف كل مدخراتهم الخاصة، ومدخرات البلد وثروته، بسبب الحرب التي تحرق كل شيء"، كما قال.

وأكد الحسن "أن كثيراً من هؤلاء المثقفين، وأمام استهدافهم من قبل قوات النظام وأجهزته الأمنية بعد خروجهم من المعتقلات، اضطروا للبحث عن مهن جديدة، كانت منسية بالنسبة لهم، لتأمين احتياجاتهم الضرورية، أقلها الطعام  والشراب".

بدوره قال عبود، وهو محامي، إنه كان من المحامين المميزين في محافظة درعا قبل الثورة، وكان دخله وارتباطه بعقود عمل مع بعض الدوائر الحكومية الرسمية يكفيه للإنفاق على احتياجاته وعلى احتياجات أسرته، ولكن أمام توقف عمل المحاكم في المحافظة، والملاحقات الأمنية له واتهامه بالمشاركة بالثورة، اضطر لأن يسلك سبيلاً آخر لتحصيل الرزق، ففتح محلاً لبيع اللحوم، وأحيا نشاط والده ومهنته، التي قال "إنه أتقنها بشكل جيد قبل أن يمتهن المحاماة، وأن دخله على الرغم من عدم توفر الثروة الحيوانية بشكل كبير نتيجة استنزافها، يوفر له معيشة مقبولة نوعاً ما، في هذه الظروف الصعبة"، حسب وصفه.
أما زيد، فهو مدرس رياضيات، قال "إنه عاد إلى مهنة والده التي كان يساعده فيها عندما كان يافعاً، وقام بفتح محل لبيع الأحذية".  وعلى الرغم من ضعف القوة الشرائية المتوافرة بين الناس، فإن زيد يعيش مستوراً، "والحمد لله"، حسب وصفه.

 وأضاف زيد أن ذلك يتم في إطار تأمين الضروريات فقط، أما الكماليات "في مثل ظروفنا فهي منسية، من أين لنا تأمينها إذا كانت النشاطات الاقتصادية متوقفة بشكل كامل".

من جهته، أكد عرابي، 50 عاماً، وهو مهندس ميكانيكي، أنه طرد من عمله دون أن يرتكب أية أخطاء بحق أحد، لافتاً إلى أنه هرب إلى الأردن بعد اجتياح بلده من قبل قوات بشار الأسد، التي دخلت البيوت وعاثت فيها خراباً، فاضطر وأمام نداء الحفاظ على الحياة وحماية الأسرة إلى الهروب باتجاه الأردن القريبة، لكن ظروف العيش لم تناسبه في المخيمات، كما أنه لم يستطع تأمين أي عمل هناك، فقرر العودة إلى الوطن، لاسيما وأن منطقته لم يعد فيها أي أثر لبقايا قوات الأسد، "سوى الدمار"، حسب وصفه.

وأشار عرابي إلى أنه، وبعد عودة الكثيرين من أمثاله إلى الوطن, افتتح ورشة صغيرة لتصليح السيارات والدراجات النارية في قريته, وذلك لتأمين احتياجاته، لافتاً إلى أن ابنه البالغ من العمر 17 عاماً، يساعده في عمله بعد عودته من المدرسة، ليتعلم مهنة جديدة تفيده في مستقبله، لأن ظروف التعليم في خطر، والمستقبل الدراسي مازال مجهولاً في ظل غياب الرؤية الواضحة لمستقبل سوريا، كما قال.

ويشير عصام، 45 عاماً، وهو مهندس مدني عمل في إحدى مؤسسات الدولة، إلى أنه ترك عمله في مؤسسته, خوفاً من تلفيق تهمة له تودي به إلى أحد المعتقلات، لافتاً إلى أن حالة الخوف من الاعتقال باتت تسيطر على حياة الكثير من المواطنين، والمثقفين داخل الدوائر التي يعملون بها، أو على حواجز النظام، وخاصة بعد محاولات قوات النظام سحبهم إلى الخدمة الاحتياطية  في الجيش النظامي.

وقال  عصام "إن الفروع الأمنية لا تحتاج إلى إثباتات دامغة، لتوريط أي شخص، والتهم لكل مواطن جاهزة، أقلها التحريض ودعم الثوار"، لافتاً إلى أنه بالتعاون مع أخيه المغترب، فتح كوة صغيرة لاستقبال الحوالات المالية في الداخل، وأن أموره تسير بشكل جيد، وأن تحصيله المادي ومساعدات أخيه المغترب له، تكفيه في تأمين احتياجاته، واحتياجات أسرته الضرورية، وبعض الكمالية، كتأمين مولدة صغيرة، وأجهزة إنارة وشاشة تلفزيونية تعمل على البطارية.

مصدر في محافظة درعا، رفض الكشف عن اسمه، أكد أن "المجلس يقوم بإحصائية لأصحاب الشهادات العليا من شهادة الدكتوراه وحتى الإجازة الجامعية، بهدف زجهم بالعمل"، لافتاً إلى أن عشرات الطلبات وصلت إلى المجلس، وأن أعداد أصحاب الشهادات تفوق الأعداد التي وصلت إلى المجلس بعشرات المرات.

وأكد المصدر أن "مجلس محافظة درعا في الحكومة السورية المؤقتة يبحث عن أفضل السبل لمساعدة هؤلاء الناس، لأنهم ثروة البلد، ولكن الإمكانات ضعيفة جداً، مع تواصل الأعمال العسكرية التي دمرت كل مقدرات البلد".

هي بعض نماذج من عمل المثقفين، الذين تغيرت أحوالهم إلى الأسوأ نتيجة الملاحقات الأمنية، وسعي قوات النظام إلى تهميشهم بشتى الوسائل، ويبدو أن الأمر سيصبح أكثر سوداوية، إن طال أمد الحرب أكثر من ذلك.

ترك تعليق

التعليق