مراكبُ السوريين تُلقي مراسيها في جيزان السعودية

على مدى ستة أشهر نشرت فيها سفن السوريين أشرعتها باتجاه الشمال، في تغريبة تعدّ هي الأحدث في هجراتهم على مدى خمس وثلاثين سنة، ألقت تلك السفن مراسيها على شواطئ البحر الأحمر في إمارة جيزان السعودية، في مدينتي (صامطة، وجيزان)، وهي تقلّ على خشباتها (1750) سوريًا، رأوا في الترحال حلاً للمشاكل الجمَّة التي أخذت تحلّ باليمن مؤخرًا.

 ليسوا سواءً في الهمّ، فمنهم نخبةٌ ممّن تقطعت بهم السُّبُل من أيام الثمانينات، وقد خبروا الغربة مذ ذاك الوقت في دول جوار بلدهم، وصولاً إلى اليمن، ومنهم شريحة أكبر طالهم البلاء والضنك بعد سنة (2011)، وكانوا لا يزالون يؤمّلون خيرًا في أن تجد السفارةُ السورية في صنعاء حلاًّ لمشكلتهم، إلاَّ أنها صدّتهم عن أبوابها، ووكلتهم إلى أنفسهم، قبل أن تحار هي الأخرى في أمر القائمين عليها، وفئة ثالثة قد أهمتهم أنفسُهم، ويغلب عليهم التذمّر والضيق، ويبدرُ منهم تصرفاتٌ يحملها الآخرون على سوء الظنّ، وتعمُّد الإساءة للبلد المُضيف، وهم ليسوا بوارد تقبُّل النُّصح حفاظًا على سمعة السوريين، حسب رأيهم، و فئة رابعة قليلة نسبيًّا امتهنوا التشرُّد، فعصا الترحال لا تكاد تُلقى من على كتفهم، فلم تُضِف لهم هذه الرحلة جديدًا سوى جودة المسكن وحسن الرفادة.

 لقد منحت الحكومة السعودية لهؤلاء حقوقًا لا بأس بها في الإقامة، والرفادة، والتنقل لمن يرغب في الإقامة على نفقته، والتعليم الأساسي، والطبابة، والعمل في القطاع الخاص في بعض المهن، وهم يُأمِّلون خيرًا منها في قادم الأيام على مستوى التعليم الجامعي، والعمل الحكومي ولاسيَّما في الجامعات؛ لكون نسبة منهم من حملة الشهادات العليا، وفي اختصاصات متنوعة، وكانوا قبلاً على رأس عملهم في الجامعات اليمنية.

 وحتى ما أُشيع عن التخفُّف من برنامج السكن، والرفادة، بدءًا من شهر ربيع الأول، ومنحهم إقامة لمدة ستة أشهر، مع مزيد من حرية العمل، على أن يطلع كلٌّ منهم بعبء التكاليف المعاشية له ولأسرته، لا يعدو كونه رسالة للعناصر غير المنضبطة من الفئتين: الثالثة، والرابعة؛ فالمملكةُ عزيزٌ عليها أن ترى أشقاءها السوريين، قد تقطَّعت بهم السُّبُل، وهم قد طووا أشرعة مراكبهم في شواطئ جيزان. وهي كغيرها من الدول التي احتضنت آلافًا من اللاجئين السوريين، ولاسيَّما تركيا، لن تقبض يدها، وتُشيح النظر عن قضاياهم الإنسانية المُلحة في ظل هذه المحنة الفاجعة.

 إنَّ اللافت للنظر في هذه المحطة من التغريبة السورية هو غياب كيانات المعارضة السورية، وممثلها الأبرز في المملكة والخليج الأستاذ أديب الشيشكلي (الحفيد)، عن رؤية هذه الجالية، والوقوف على مشاكلهم، والمساعدة في تأمين مستلزماتهم بالحدود المتاحة له، كممثل معترف به رسميًا. ليس ثمّة عذرٌ له، أو لغيره من الكيانات التي ينتمي قسمٌ لا بأس به من هذه الجالية عضويًا لها، هذا إن كان يدري أنّ ثَمَّة جالية سورية قد حلّت ضيفة على المملكة في إمارة جيزان، أمّا إن كانت الأخرى فسلامٌ عليه في الآخرين.

حسنًا فعلت هذه الجالية عندما تدبَّرت أحوالها بنفسها، في ظلَّ هذا الموت السريري للمذكورين أعلاه، فبادر أعيان منها إلى تأسيس (مجلس ممثلي الفنادق)؛ لمساعدة السلطات المحلية في ضبط أوضاع الجالية، ومتابعة أحوالهم اليومية، ونقل الصورة إلى ولاة الأمر بالطرق المناسبة، والمتسلسلة، وصولاً إلى سمو الأمير محمد بن ناصر. وما أعانهم في هذا وجود ثلة من الإخوة العقلاء، ذوي الرشاد، والكياسة، والرأي، والأملُ عندهم معقودٌ على اللقاء المرتقب خلال هذين اليومين مع سمو الأمير، في أن تتمّ تجلية الصورة بخصوص وضعهم خلال الفترة القادمة.

ترك تعليق

التعليق