باحث وإعلامي لـ "اقتصاد": تنظيم "الدولة" نجح في إدارة مناطقه اقتصادياً فيما فشلت "النصرة"

لا بد لأي ثورة شعبية أن يكون لها قياديون فعليون، ومجلس واحد يقوم بإدارة الشؤون كافة، العسكرية منها واللوجستية، والأهم منها الحياتية المتعلقة بلقمة المواطن العادي، لكن للأسف، ففي سوريا لا يوجد أي قيادة موحدة، ولا يوجد رؤية حقيقية تضع استراتيجية معينة للسير بموجبها، لدعم المواطن وتحصينه وتخفيف الأعباء عن كاهله، بل على العكس، يوجد مجموعات من الفصائل المتناحرة فيما بينها، والتي إما تتكل على المساعدات الخارجية والتدفق المالي الكبير، أو تقوم بسرقة مقدرات سوريا والتي هي أساساً، ملك للشعب السوري، وليست حكراً على فصيل بحد ذاته، فالثورة قامت نتيجة احتقان شعبي بسبب ممارسات من قبل حفنة سيطرت على مقدرات سوريا، وها هم من يدعون اليوم بأنهم ثوار يمارسون نفس الدور لكن بطرق ومسميات مختلفة.

الحديث عن الاقتصاد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا كالحديث عن السمك الطائر باستثناء تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي مارس العمل الاقتصادي ليس خدمة للسوريين بل لمصلحته الخاصة، وبغية تأمين مصادر تمويل بديلة، تحل محل مصادر تمويله الخارجية، ويبدو أنه نجح ولو بشكل جزئي.

موقع "اقتصاد" حاور الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، فادي عاكوم، وإليكم نص الحوار:  



*هل فشلت جبهة "النصرة" في امتحان الإدارة الاقتصادية للمناطق التي تخضع لسيطرتها برأيك؟
 
فشلت جبهة "النصرة" فشلا ذريعاً بإدارة اقتصاديات المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وذلك ظناً منها أن الحرب السورية لن تستمر لهذه الفترة الطويلة التي قاربت خمس سنوات، وبالتالي اتكلت اتكالاً تاماً على التمويل الخارجي من الجهات الداعمة لها خصوصاً بعض البلدان العربية، وتركت الأمور الاقتصادية الداخلية مفتوحة لكل الألاعيب التي يقوم بها بعض التجار، فانعكس الأمر على المواطن السوري الذي وجد نفسه يتخبط مادياً وأصبح يتكل على أموال المساعدات والمواد الغذائية التي توزع عليه من بعض المنظمات الإنسانية.  

*لا يوجد لدى "النصرة" أي أجندة اقتصادية واضحة، فالاتفاق الحاصل بين الكتائب المقاتلة هو عسكري فقط وليس بالضرورة اقتصادي، لأي مدى هذا الطرح مقارب للواقع؟

الملاحظ أن غالبية بل معظم الاتفاقات الحاصلة بين الفصائل المسلحة السورية لها طابع عسكري فقط، وهي اتفاقات في جوهرها تبعد شبح الاقتتال الداخلي فقط لا أكثر، مع غياب تام لأي اتفاق على إدارة المناطق اقتصادياً أو تأمين فرص عمل من خلال خلق مشاريع ولو كانت بسيطة كالأعمال الحرة والزراعة وغيرها، باستثناء ما يتم الاتفاق عليه بين هذه الفصائل حول اقتسام الغنائم أو موارد آبار النفط، وهذا يدل على ضمور بالتخطيط وبوادر سوداء لمستقبل الاقتصاد السوري إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه أو حتى لو نجحت هذه الفصائل بالوصول إلى مراكز صنع القرار بعد الانتهاء من الحرب.

*إلى أي حد هناك تشابك في المصالح بين أمراء الحرب؟

إن ما تقوم به بعض الفصائل الأساسية في سوريا، كتنظيم "الدولة الإسلامية" و"النصرة"، من اعتماد مبدأ المبايعة من قبل الفصائل الصغيرة لها، أوجد حالة لا يمكن وصفها إلا بالشاذة، فالعديد من الفصائل والألوية الصغيرة تتنقل بين "النصرة" وتنظيم "الدولة" أو "جيش الفتح"، وغيرها، للحصول على تمويل وذخائر، مما أدى إلى تشابك حقيقي في المصالح.  

*على العكس تماماً، هناك في مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، إدارة اقتصادية، من أين تأتي الموارد؟
 
فعلاً نجح تنظيم "الدولة الإسلامية" بإدارة مناطقه اقتصادياً، بل بدأ بالتخطيط للأمر منذ بدء سيطرته، ويبدو أنه (أي التنظيم) كان يعلم جيداً بأن الحصار سيشتد عليه وأن الخطة الأمنية الدولية المتعلقة بتجفيف منابع تمويله ستنجح ولو بحدها الأدنى، لذا قام التنظيم بإيجاد منابع تمويل خاصة به لتأمين الأموال التي يحتاجها لاستمراره على الأرض، ومن منابع تمويله النفط والقطن والحبوب والتجارة بأنواعها، بالإضافة إلى الخطف مقابل الفدية والضرائب التي يفرضها على المواطنين تحت ستارة الزكاة، علماً أن التنظيم حرص على احتلال مناطق عدة في العراق يوجد بها بنوك حكومية أو خاصة لسرقة أموالها، وهو ما حصل فعلاً بالموصل، كما أن من بين منابع تمويله الآثار التي يقوم بسرقتها من سوريا والعراق والتي تباع في السوق السوداء بملايين الدولارات.

*وهل السكان في وضع اقتصادي أفضل؟

تتلاقى مصالح الأهالي في مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" مع المشاريع التي يقوم بها التنظيم، فكل مصادر التمويل هذه بحاجة إلى اليد العاملة بشكل عام والمختصة بشكل خاص، كالنفط والآثار وتجارة المزروعات والحبوب والقطن، فتمت الاستعانة بالمواطنين لقاء أجور متدنية جداً إلا أنها وبالنسبة للأهالي خير من البطالة، فتحركت الأسواق نوعاً ما مع ضخ هذه السيولة، علماً أن الأهالي وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل مع التنظيم مع انعدام المشاريع الجديدة وانقطاع الرواتب من قبل النظام.

وهنا لا بد من التنويه إلى أن تركيا تلعب دوراً هاماً في هذا المجال، فنفط التنظيم يتم تهريبه إلى تركيا إما مباشرة أو عبر وسطاء، ونفس الأمر بالنسبة للقطن الذي تم نقل الموسم الماضي منه إلى الداخل التركي، حيث أعادت تركيا تصديره إلى الدول الأوروبية، إلا أن الأمر انكشف وعلم المستوردون الأوروبيون بأن القطن ليس تركياً وأنه يأتي من سوريا بسبب الخصائص الوراثية الخاصة بالقطن التركي الذي يعتبر من أفضل الأصناف العالمية بعد العمل على ترقيته جينياً وتسميده بالمواد العضوية، أما الآثار فيتعامل التنظيم مع منقبين وتجار سوريين معروفين لقاء نسب معينة تم الاتفاق عليها معه.

*هل تبدو الصورة مؤلمة عندما لا يجد الأفراد في هذه المناطق "النصرة والدولة" عملاً أو مصادر للدخل؟

دفع الشعب السوري بجميع مكوناته ثمن سرقة ثورته من قبل المتأسلمين ومدعي الإسلام، فالثورة سرقت منذ بداياتها وسرقت معها كل أحلام الشعب السوري، واستبدل الواقع بواقع سوداوي، فكلا التنظيمين "الدولة" و"النصرة"، يضعان مصلحة وجودهما ودعم عناصرهما بالمركز الأول، أما المواطن السوري العادي فلا يجد قوته اليومي، حتى أن أموال المساعدات بالإضافة إلى المساعدات الغذائية والطبية العينية تضع هذه الفصائل وغيرها اليد عليها وتتحكم بتوزيعها وغالباً ما يكون مصيرها المخازن لتوزيعها على عناصرها في الجبهات، إنها فعلاً لصورة مؤلمة إلا أن الشعب السوري نفسه يتحمل مسؤولية هذه الصورة.

فادي عاكوم في سطور:

صحافي لبناني مقيم بالقاهرة - مستشار إعلامي سابق بوزارة الثقافة في مملكة البحرين - له عشرات الدراسات والمقالات الاقتصادية والسياسية - صدر له كتاب "داعش الكتاب الأسود" ومجموعة قصصية بعنوان "زينة" - له حالياً مقال أسبوعي ببوابة روز اليوسف المصرية وصحيفة روناهي الأسبوعية- وهو رئيس تحرير جريدة الصوت الحر الالكترونية.

ترك تعليق

التعليق