وجه آخر لروسيا.. من فيلم البورنو القصير إلى الميغ 31

قالتها لي بلكنتها، هي التي اعتادت أن تقف في أماكن حفظتها لسنوات طويلة من بيع الألبسة في دمشق، وتقسم بأنها تحبها أكثر من موسكو، وتشعر فيها بالدفء، وأنها تحب السوريين فهم شعب لطيف وبسيط، وتتمنى لهذه البلاد التي لا يعرفها الروس أن تعود كما كانت.

تتحدث بائعة الملابس الروسية كأنها تبتهل، وحولها مجموعة من النسوة يشترين ويسألن عن الأسعار التي تبدو أرخص من بضائع الجيران في شارع الحمراء، وبعد أن غادرت النسوة أردت أن أفهم منها موقف الشعب الروسي مما يجري في سوريا، أجابتني المرأة التي تتجاوز الخمسين من عمرها: "الشعب الروسي لا يعلم حقيقة ما يجري هنا، وهم شعب في أغلبه فقير ولا يفهم في السياسة، وتحكمه مافيا المخابرات التي يقودها بوتين".


قبل ربع قرن لم يكن أمام جيوش اللحم الروسي إلا أن تتجه إلى هنا، وهنا حيث البلاد المفتوحة لشركاء الأمس، أصدقاء سوريا، والحليف العسكري والثقافي الذي انهار بضربة البروسترايكا الجديدة التي حولت الدب الثلجي مجرد قطع صغيرة غير قادرة، تحول اللحم الرقيق إلى سلعة رائجة بين السوريين الراغبين بتجربة جديدة، ونساء يشبهن الدمى، فهن غير السوريات البدينات أو العجائز اللواتي يعملن في الدعارة، وبأسعار رخيصة جداً، ما يقارب 100 ليرة ثمن الحلم بفتاة فيلم البورنو الروسي السريع، وهذا ما جعل من تجارتهن رابحة لأولئك الحالمين بالمال، وهكذا تم توزيع أجملهن على ضباط الأمن والمسؤولين المحليين.

في قلب العاصمة، ومن فندق "برج آلاء"، حيث الوكر الليلي للروسيات اللواتي ينتظرون دورهن الليلي، وأمام هذا الفندق عند العاشرة، تجتمع السيارات التي تقل "باربيات" روسيا الجديدة إلى ملاهي العاصمة ومحيطها من الربوة إلى الغوطة إلى التل، حيث لليل مكان للقادمات من بين حواف الصقيع والفقر، واللواتي لم تأتيهن الفرصة للسفر إلى دبي، فدمشق قد تكون استراحة قصيرة مناسبة.


الروسيات الكبيرات بالسن هربن إلى بيع البضائع الروسية الرخيصة، وهذا بالفعل ما كان يلائم السوريين الذين أطبقت عليهم الحال من حصار لحصار، ومن تجربة الاقتصاد المغلق إلى المفتوح الذي أفقر أغلبيتهم بعد ذلك.

اليوم لروسيا وجهها الآخر، انقلب فيلم البورنو وخرجت جموع اللحم الضئيل، إما إلى حضن الوطن الروسي أو إلى حيث أمان الليل، باستثناء القليلات اللواتي ما زلن يؤمن بأن الوقت ما زال سانحاً للعمل في ظل صعود شرائح جديدة جمعت المال من التعفيش والسرقات والقتل، وهذه الشرائح تدفع بلذة الخمر ونشوة القوة، الكثير من المال.

روسيا الجديدة اليوم هي الكلاشينكوف الجديد والميغ 31 التي وُعد بها النظام لممارسة القتل والمجازر في دوما وريف إدلب ودرعا، حيث تتراجع قواته، وهي أيضاً الخبراء الذين يخططون مع الإيرانيين لحماية العاصمة من مناوئي الأسد.

روسيا تجد استثماراتها الآن في بيع السلاح للنظام الذي يدفع ثمنه الإيرانيون، بينما استثمارات الأمس في اللحم تقلصت تحت ضربات البراميل والهاون. وهنا، هكذا يُختصر الدور الروسي من "برج آلاء" إلى القاعدة البحرية في طرطوس، ثمة لون واحد للحم الروسي، وطعمين مختلفين.

ترك تعليق

التعليق