معادلات التبادل التجاري بين مناطق النظام والمعارضة في درعا


على الرغم من المعارك المستمرة منذ عدة سنوات، بين قوات النظام من جهة، وبين فصائل المعارضة من جهة أخرى، والتي تصل أحياناً إلى قطع الطرق الواصلة بين المناطق، على  الرغم من ذلك، ما تزال عمليات التبادل التجاري، بين المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، والمناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، جارية على قدم وساق، شئنا أم أبينا، حيث لا مجال لتأمين السلع الضرورية في المناطق المحررة، إلا عن طريق  مناطق النظام، في ظل غياب كامل لأية إمكانيات أخرى لجلب السلع والبضائع إلى مناطق  شبه محاصرة من كل الجهات، بما فيها جهة النظام، الذي يغض الطرف أحياناً عن مرور بعض  البضائع، ليس من باب الرأفة والرحمة بشعب جائع، بل لأن هذه المناطق لاتزال تشكل أسواقاً للكثير من منتجاته، ومنتجات المعامل والشركات الاستثمارية الموجودة على التراب السوري، والتي إن فقدت أسواقها ستهرب إلى خارج البلاد مع رأسمالها الكبير، الذي يُعتبر النظام أحد أبرز المستفيدين منه سواء بشكل  مباشر، أو غير مباشر.  

وبهذا الصدد، يقول أحمد العلي، أحد التجار، أنه يسافر بسيارة النقل خاصته إلى معظم مناطق النظام لجلب البضائع، إلى المناطق الخاضعة لسلطة المعارضة، لافتاً إلى أنه يجلب معظم احتياجات المناطق من مواد أولية واستهلاكية وفي مقدمتها الزيوت والسكر والرز والشاي وكل مواد السمانة، ويتم بيعها في المناطق المحررة للمحلات التجارية، ولكن بأسعار غالباً ما تكون أعلى من أسعارها في مناطق النظام بأضعاف، حيث يضاف إليها أجور النقل من مسافات طويلة، إضافة إلى نفقات العطالة والتأخير، والمصاريف الأخرى التي يتطلبها التنقل عبر حواجز قوات النظام.

وأشار سامر صاحب محل بيع جملة، إلى أن محله مليء بالمواد الاستهلاكية، ومعظمها إن لم يكن كلها من مناطق النظام، من دمشق والسويداء، وأضاف "تصلنا عن طريق التجار وهي في غالبيتها مستوردة عن طريق مؤسسات النظام فمنها ماهو ذو منشأ صيني ومنها ما هو إيراني والكثير منها  محلي"، لافتاً إلى "أن بعض البضائع الصغيرة تأتي بالتواصي عن طريق الركاب، ووسائل النقل كالباصات والسرافيس، التي تنقل الركاب من الموظفين والمواطنين غير المطلوبين من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام، حيث أصبح لبعض السائقين علاقات جيدة، بحكم التنقل اليومي مع حواجز النظام، ما يتيح إدخال بعض المواد وبيعها بأرباح كبيرة أحياناً، لاسيما قطع الغيار الصغيرة، والموبايلات والإكسسوارات المتعلقة بها، وبطاقات النت والأرصدة وغيرها".

من جهته، قال عثمان، صاحب حافلة كبيرة لنقل الركاب، "إنه لا يعتمد على أجور نقل الركاب كدخل مادي جيد فحسب، بل يعمل بتجارة المازوت ويحقق أرباحاً جيدة، حيث يقوم بتعبئة خزانات المازوت بالحافلة جميعها من مناطق النظام بأسعار نظامية للتر الواحد، ويبيعها بمربح مئة بالمائة لكل لتر، وأحياناً بزيادة أكثر قليلاً حسب توفر المادة، أو عدم توفرها في أسواق المناطق المحررة، وغالباً ما يبيعها لتجار المازوت الذين يبيعونها بدورهم إلى المواطنين بأسعار أعلى". وفي الظروف التي تحدث عنها عثمان، دائماً الإنسان العادي هو من يدفع الثمن في المناطق المحررة على خلاف التجار والمستفيدين من الوضع الراهن.

أما إبراهيم، وهو سائق سيارة نقل كبيرة، فقال "نقوم بنقل بعض المواد الاستهلاكية بين المناطق المحررة ومناطق النظام، وغالباً ما نحمل من مناطق المعارضة الخضار والمنتجات الزراعية، كالبندورة والكوسا والخيار والفليفلة والرمان والمنتجات الزراعية الأخرى، حسب مواسم نضوجها، والتي ارتفع الطلب عليها في مناطق دمشق والمحافظات الأخرى بسبب قلة الإنتاج في ريف دمشق، وتوقفه في بعض المحافظات الزراعية، نتيجة الأعمال القتالية"، لافتاً إلى أن حواجز النظام كانت ترجع أي سيارة فارغة، قادمة من درعا باتجاه دمشق، طالبة من السائقين تحميلها بالخضار والمواد الزراعية المتوفرة، لبيعها في مناطق النظام.

وأكد أن المنتجات الزراعية هي من إنتاج الفلاح والمزارع الحوراني، في المناطق الهادئة، والذي لايزال يتمسك بأرضه، بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي يواجهها، والمتمثلة بقلة الموارد، وبقلة توفر مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعارها بشكل كبير.

منذر، أحد تجار المحروقات يقول "كل المواد والمشتقات النفطية نجلبها من مناطق سيطرة النظام، وذلك عن طريق التجار الذين لهم علاقات جيدة مع الأطراف المتنازعة، فلكل تاجر منطقته، ونحن نحصل على المواد من تجار المنطقة التي نعمل ضمنها، ونقوم بتوزيع المواد على تجار المفرق وتجار البسطات، وكل واحد يدخل في هذه السلسلة له هامش ربح مقبول".

وأشار حسين، صاحب مستودع أدوية في المناطق المحررة، إلى أن كل الأدوية في المستودع والتي تتعامل بها المنطقة، هي من إنتاج معامل الأدوية السورية، ومن مناطق سيطرة النظام، ويتم استجرارها عن طريق التجار والوسطاء إلى المناطق المحررة، لافتاً إلى أن التاجر أو الوسيط يحصل على نسبة أرباح تتراوح ما بين 30 إلى 40 بالمئة، من سعر المادة، والموزع يحصل على 10 بالمئة، بينما الصيدلي يحصل على 30 بالمئة كربح, لافتاً إلى أن سعر المادة يتضاعف إلى 100 بالمئة، أو أكثر قليلاً، في مناطق سيطرة المعارضة، عنه في مناطق سيطرة النظام.

البضائع في المناطق المحررة كلها متوفرة، ولكن بأسعار مضاعفة، وكلها أيضاً تستجر من مناطق سيطرة النظام، ولكل مادة ثمنها، والرابح في عمليات استجرارها هم الوسطاء والتجار، وعلى السوريّ البسيط الذي لاحول له ولا قوة أن يدفع ثمنها، مهما كان، لأنه الحلقة الأضعف دائماً في فوضى الحروب وما ينتج عنها من ظروف اقتصادية صعبة.   

ترك تعليق

التعليق