موسم الزيتون في درعا.. صامد ومُدر رغم الحصار والقصف
- بواسطة عمر الشيخ محمد – خاص - اقتصاد --
- 24 تشرين الاول 2015 --
- 0 تعليقات
يشكل محصول الزيتون في محافظة درعا، جنوب سوريا، ثاني أهم المحاصيل الزراعية المدرة للدخل بعد محصول القمح، حيث بات المزارع الحوراني يقطف في العام الواحد نتاج محصولين، القمح في شهر حزيران، والزيتون في شهري تشرين أول وتشرين ثاني، ما أدى إلى تحسين وضعه الاقتصادي والمادي، وانعكس إيجاباً على مستوى معيشته.
ويقول المهندس الزراعي أبو عمر إن زراعة الزيتون في محافظة درعا شهدت خلال العقدين الماضيين تطوراً كبيراً، فازدادت المساحات المزروعة بهذه الشجرة المباركة، وتطورت وسائل العناية بها، ما أدى إلى زيادة كبيرة في كميات الإنتاج، وتحسين نوعيته، وأصبح هناك فائض عن الاستهلاك المحلي سواء في مادة زيت الزيتون أو في زيتون المائدة الذي أصبح يباع في أسواق المحافظات الأخرى.
وأضاف المصدر: "لكن مع انطلاق ثورة العزة والكرامة وتحول سوريا، ومنها محافظة درعا إلى ساحات معارك، عمت مختلف مناطقها، وقيام نظام الأسد بحرق عدد من الحقول بصورة متعمدة، بذريعة اختباء الثوار فيها، انخفض إنتاج الزيتون كماً ونوعاً"، لافتاً إلى أنه وعلى الرغم من ذلك فإن الإنتاج لهذا الموسم جيد ويبشر بالخير، كما قال.
ويشير المهندس الزراعي، أحمد العبد، وهو أحد العاملين المفصولين من عملهم لتعاطفه مع الثورة، إلى أن شجرة الزيتون في محافظة درعا تحتل المرتبة الأولى بين الأشجار المثمرة، لافتاً إلى أن المساحات المزروعة بأشجار الزيتون في مختلف مناطق محافظة درعا تقدر بنحو 30 ألف هكتار، وعدد الأشجار المثمرة في هذه المساحات تقدر بنحو 6 ملايين و500 ألف شجرة، المثمر منها نحو 5 ملايين شجرة, يتجاوز إنتاجها الـ 60 ألف طن من ثمار الزيتون سنوياً، وما يقرب من 12 ألف طن من زيت الزيتون، ذي النوعية المميزة، يتولى عصرها نحو 40 معصرة منتشرة في مختلف مناطق المحافظة، وهي مزودة بنحو 60 خطاً يعمل معظمها بالطرد المركزي، أدت الحرب إلى توقيف عدد منها عن العمل.
وأضاف أحمد العبد أن المزارعين في السنوات الأخيرة, توجهوا إلى زراعة أصناف جديدة من أشجار الزيتون، ولاسيما القيسي والنبالي وأبو شوكة والمصعبي والدان، الذي يتميز بارتفاع إنتاجه وجودة زيوته, لافتاً إلى أن زراعة الزيتون في محافظة درعا تتركز في مدن طفس ونوى والشجرة والمزيريب وازرع وداعل والشيخ مسكين والحارة، وفي معظم المناطق حيث تتوفر الظروف الملائمة لنمو هذه الشجرة، من تربة جيدة، ومصادر مياه، إضافة إلى العناية والرعاية التي يوليها المزارعون بهذه الشجرة، وإتباعهم أساليب وطرق الري الحديثة، وأساليب التقليم، والتسميد، ومكافحة الأمراض التي تصيب أشجار الزيتون، ما أسهم بنجاح هذه الزراعة بشكل كبير.
من جهته أكد طبيب الداخلية، عبده الشيخ محمد، القيمة الغذائية الكبيرة لثمار الزيتون، وزيت الزيتون، مبيناً أن حبة الزيتون تحتوي على بروتينات ومواد سكرية وبوتاسيوم وكالسيوم وحديد ونحاس وألياف وكاروتين وغيرها، إلى جانب فيتامين /أ وب/، في حين يحتوي زيت الزيتون أحماض دهنية أحادية غير مشبعة، مشيراً إلى الفوائد الطبية العديدة لزيت الزيتون، حيث يحمي جسم الإنسان من أمراض تصلب الشرايين والقلب، ويؤدي إلى هدوء الأعصاب، وانخفاض ضغط الدم المرتفع، ويحافظ على مستوى سكر الدم، والجليسريدات الثلاثية عند مرضى السكر.
وأضاف الشيخ محمد أن زيت الزيتون مضاد للإمساك, ومفيد للهيكل العظمي كهشاشة العظام، منوهاً أن دهن جلد الإنسان بزيت الزيتون، يقي من سرطان الجلد، ويساعد على نمو شعر الرأس، ويؤخر أعراض الشيخوخة لاحتوائه على مضادات الأكسدة، وهو مقوي عام غني بالفيتامينات وخاصة /سي وأي/.
موسم قطاف الزيتون الذي يبدأ في شهر تشرين أول من كل عام، يتحول إلى موسم فرح, حيث تتوجه مئات الأسر في المحافظة إلى حقولها وبساتينها لقطف ثمار الزيتون، مشكلة عرساً شعبياً، وطقساً سنوياً يمتاز بأجواء عائلية دافئة تعكس مدى الترابط الأسري، وارتباط الفلاح بأرضه.
ويشير الحاج محمد الخليل، صاحب حقل زيتون، إلى أن موسم قطاف الزيتون في كل عام، يتميز باجتماع جميع أفراد العائلة، موضحاً أن عمليات قطاف الزيتون يتخللها سرد الحكايات والقصص والأغاني الشعبية، بهدف منح عمليات القطاف, أجواء مسلية ومرحة تنسي حالات التعب والإرهاق الناتجة عن العمل.
وبيّن الخليل أنه يؤمن جميع احتياجات أسرته من الزيتون /الأخضر والأسود/ وزيت الزيتون من مزرعته، لافتاً إلى أنه يستخدم المواد العضوية في عمليات التسميد والمكافحة، ولا يستخدام أية مواد كيميائية، مشيراً إلى الأجواء الممتعة التي تسود مرحلة القطاف, والتي تعكس مدى محبة أفراد الأسر لشجرة الزيتون، وتقديرهم لبركتها وإنتاجها وفوائدها المتعددة في المجالات الغذائية والاقتصادية والطبية والبيئية.
ولفت الخليل إلى أن "ما يحدث في سوريا من عمليات قتل وتدمير أفسد حميمية الأجواء عندنا, فلم تعد الأسر كلها موجودة ولا الأفراد موجودين، فقد غادر الأبناء والأحبة ديارهم إلى خارج الوطن، أو غُيبوا بفعل القتل والاعتقال والملاحقات الأمنية من قبل قوات نظام الأسد, كما أن طقوس القطاف تغيرت، وأصبح الاعتماد في عمليات القطاف على الورش والأيدي العاملة الغريبة.
وبيّن المزارع محمود العبد الله، أن موسم قطاف الزيتون هو موسم خير وبركة يستمتع فيه الأطفال قبل الكبار حيث يتم اصطحاب جميع صغار العائلة إلى حقل الزيتون، ليستمتعوا بالمناظر الجميلة، والأجواء اللطيفة، ويلعبوا تحت الأشجار، مبيناً أن فرحة الكبار تتمثل في التقاء جميع أفراد العائلة لأيام معدودة، وفي مكان واحد، لافتاً إلى التغيرات الكبيرة التي طرأت على عمليات قطاف الزيتون بسبب حالات الخوف وعدم الشعور بالأمان نتيجة ما يحدث على الأرض السورية.
وأضاف العبد الله أن أهم ما يميز موسم قطاف الزيتون دوره في تأمين فرص عمل للكثير من العمال، وخاصة للمزارعين الذين لا يملكون أيدٍ عاملة بسبب قلة عدد أفراد الأسرة، مبيناً أهمية شجرة الزيتون في تأمين حاجة الأسر والعاملين في القطاف من ثمار الزيتون حيث من المتعارف في حوران حصول عامل الأجرة على حاجة منزله من هذه الثمار.
عزام السعيد، صاحب معصرة، أشار إلى "أن سعر عصر الكيلو غرام الواحد من مادة الزيتون ارتفع عدة أضعاف مقارنة بالأعوام الماضية"، لافتاً إلى أن أجرة عصر الكيلوغرام بلغت هذا العام نحو 15 ليرة سورية، بينما كان في الأعوام السابقة لا يتجاوز الـ 5 ليرات سورية, كما أن سعر العبوة ذات الـ 16 كغم ارتفع من 3500 ليرة سورية في بداية الأزمة، إلى نحو 12500 ليرة سورية هذا العام.
وأضاف "أن سعر كيلو الزيتون الأخضر الخاص بالمائدة ارتفع من 30 ليرة سورية إلى ما بين 120 و160 ليرة سورية لنوعية أبو شوكة خلال العام الحالي".
ولكن، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار وتغير الطقوس، فإن زراعة أشجار الزيتون في درعا، تبقى واحدة من أنجح الزراعات الاقتصادية التي توفر مداخيل اقتصادية مقبولة، سواء لأصحابها أو لباقي أبناء المجتمع الحوراني، إضافة للاستفادة من مخلفات الموسم في عمليات الوقود والتدفئة ولاسيما في مدافئ الحطب التي عادت إلى الواجهة من جديد تزامناً مع الأزمة التي تعيشها سوريا منذ أكثر من أربع سنوات ونيف.
التعليق