"اقتصاد المخيمات.. لاجئات يدفعن عن أسرهنّ ذل الحاجة بالإبرة والخيط

ما بين يد سفلى تمتد متكاسلة لتشغّل التلفاز وترفع صوته ليصدح ببداية مسلسل أو بأغنية هابطة، في "عصرية" انتظار حصة غذائية أو علبة حليب أوربطة خبز، ويد عليا تتجه بحماس وكبرياء لتضغط زر ماكينة الخياطة، معلنة بدء العمل والكد والكسب الشريف، ثمة مسافة قد تكون أكبر من رغبة في العفاف والترفع عن حاجة الناس، وأبلغ من نية حية في تقديس العمل والعطاء.

مسافة تضعك على مفرق طرق، طريق استكانة وهوان وانتظار عطف الناس، وطريق كرامة وكبرياء وترفع عن هبات الناس وصدقاتهم المغلفة بالمن والأذى، وفي نهاية الطريقين، ثمة تاريخ يسجل حسرته على أصحاب (يد سفلى) مكبلة بالعوز، ويكتب بأحرف من فخار أولئك الذين اختاروا أن يكونوا من أصحاب اليد العليا، باحثين عن لقمتهم وكفاف عيشهم من عرق جبينهم، غير متواكلين على الله ولا متكلين على الناس.

*حرف متنوعة 
ربما لم يتسنَّ لكاميرا أو قناة أن اخترقت تلك الخيام لتسلط الضوء على نسوة حولن خيامهن إلى ورشات عمل صغيرة لأشغال الخياطة والصوف والخرز وأعمال الصنارة والإبرة، من أجل إعالة أطفالهن بصبر ومسؤولية، بدلا من استجداء المساعدات عن طريق استعراضات إعلامية أو مقابلات ممجوجة تشعرهن بأنهن يستعطفن العالم، ويتسولن رحمته وحزنه عليهن، كما دأبت وسائل الإعلام تصوير اللاجئات دائما، حسب قول أم شادي اليبرودية المعيلة لسبعة أطفال.

* مردود قليل
أم أحمد الفليطاني من بلدة فليطة أو (المشرفة) في القلمون تمتهن صناعة القبعات منذ عامين داخل خيمتها قالت لـ"اقتصاد": "لست بحاجة لمساعدة أي جمعية أو جهة، ولا أنتظر الشفقة من أحد، أنجز صناعة ثلاث قبعات في اليوم، خلال 6 ساعات، ويكون المردود المادي لهذا التعب في نهاية اليوم 1500 ليرة لبنانية، ما يعادل دولارا واحدا.

وعن المواد التي تسخدمها في عملها أوضحت أم أحمد لـ"اقتصاد" أن التاجر يحضر لها بكرات الخيوط للمخيم، ويأتي في نهاية الأسبوع ليأخذها قبعات محاكة بمهارة وإتقان.

وأضافت بأنها تستخدم عدة رسمات ونقوش في صناعة القبعات كنقشة "أبو مرزوق ونقشة الحنجلة ونقشة السبلة".

ولا تخفي أم أحمد شعورها بالفخر والفرح لأنها تعيل أسرتها المؤلفة من ثلاث بنات وصبيين اثنين، وتملأ وقتها بعمل يعود على عائلتها بالنفع ويكفيها ذل السؤال.

*طفلة ومعيلة
الطفلة آية حمود البالغة من العمر 12 عاما من ريف القصير، أجبرتها الظروف بعد اعتقال والدها أن تحترف صناعة الخرز وتحويله لأساور وأطواق وخواتم.

وقالت آية لـ"اقتصاد" إنها ضحّت بمستقبلها الدراسي، لتقف إلى جانب والدتها في تأمين لقمة عيش لإخوتها.

وعن طبيعة عملها أضافت "آية" بأنها تعمل ضمن الخيمة، وتبتكر أشكالا جديدة للأساور والخواتم والأطواق، وتتفنن بإضفاء حسها الفني عليها قبل أن تعطيها للتاجر الذي يمنحها أجرتها نهاية الأسبوع، رافضة انتظار أي هبة أو مساعدة من أحد، تنفيذا لوصية والدها المعتقل بأن تعتمد على نفسها في كل شيء كما تقول.

وقالت أم عبدو حمود والدة الطفلة "آية" لـ"اقتصاد" إنها تعمل بحياكة كنزات الصوف، منذ لجأت إلى لبنان، مضيفة أنها تستغرق ثلاثة أيام بحياكة الكنزة الواحدة مقابل أجرة تعادل 5 دولار.

أما "أم علي عرنوس"، فقد استطاعت أن تتميز في صنعة الخياطة من داخل خيمتها الصغيرة، فتصلح الثياب، وترتق ما بلي منها.

تقول لـ"اقتصاد" إنها رغم العمل الشاق والمتعب، تشعر بفخر شديد وهي تؤمن لعائلتها حياة كريمة، دون أن يحتاجوا شفقة الآخرين، من خلال ماكينة الخياطة التي كانت رفيقة سفرها ومصدر رزقها منذ أخرجتها معها من بيتها المهجور في القصير.

* نصيحة
أم ياسر شويكي من ريف دمشق، العاملة في صناعة التطريز، أرملة شهيد وأم لثلاثة أطفال، قدمت نصيحة عبر "اقتصاد" من داخل خيمتها قائلة: "أرجو من كل أخواتي اللاجئات أن يجربن متعة العمل، وينضممن إلينا في مزاولة هذه الأعمال، والتي على قلة مردودها، تجعلنا نرسم صورة عن المرأة السورية القادرة على إعالة أطفالها بجهدها وتعبها لا أن تنتظر سؤال الناس أعطوها أو منعوها".

ترك تعليق

التعليق