ناجية سورية تروي تفاصيل من رحلة الحب والموت في المتوسط

فقدت خطيبها غرقاً في البحر الأبيض المتوسط لكنها تمكنت من إنقاذ طفلتين توفيت إحداهما فيما بعد، رأت خلال ذلك الموت مجسداً أمام عينيها. تلك باختصار هي قصة الشابة السورية دعاء 19 عاماً التي أجبرتها الحرب على أن تعيش ظروفاً قاهرة مع عائلتها خارج وطنها.

وفي الشهر الماضي روت قصتها أمام جمهور "سلسلة تيد" في سالونيك باليونان، وذكرت دعاء في تقرير نشره موقع مفوضية اللاجئين أنها كانت تعمل في مصر بدوام نهاري مقابل أجر منخفض نظراً لكونها لا تملك تصريح عمل.

 وهناك- في مصر- وقعت دعاء في حب لاجىء آخر يُدعى باسم، وعدها باصطحابها إلى مكان آمن في أوروبا، على أمل الزواج وبناء حياة جديدة. وكانت دعاء- بحسب التقرير المذكور- "تدرك مخاطر هذه الرحلة التي ذهبت على متنها في شهر أغسطس/آب 2014، إذ كان أكثر من 2000 مهاجرٍ ولاجئٍ قد لقَوا حتفهم لدى عبور البحر الأبيض المتوسط في ذلك العام".

 ولم تكن دعاء- بحسب ما قالت- تُجيد السباحة، ولكن للمرّة الثانية في حياتها، شعرت بأنّها لا تملك خياراً آخر سوى الفرار. ودفع الشاب، الذي اختارت دعاء أن تقرن مصيرها به، مدخراته للمهربّين وهي عبارة عن 2,500 دولار أميركي لكي يصطحبوهما على متن قارب صيد قديم، وكان القارب مكتظاً بالركاب-كما تصف- وبعد يومَيْن في البحر بدأت تشعر بالقلق وفي اليوم الثالث قالت لباسم: "لن نصل أبداً إلى الشاطئ. سنغرق جميعاً".
 
لتنهش الأسماك أجسامكم!

وتتابع دعاء: "اقترب قارب آخر من قاربنا، كان صدئاً، وعندما طُلب من الركاب الصعود على متنه رفضوا ذلك. غادر المهربّون غاضبين ثمّ عادوا وصدموا القارب وأحدثوا فجوةً في جانب هيكله، وصرخوا قائلين: (لتنهش الأسماك أجسامكم)، وراحوا يضحكون. وفي غضون دقائق، انقلب القارب وغرق، وكان هناك 300 شخصٍ عالقين تحت سطحه".

 وتضيف دعاء واصفة أهوال الكارثة التي حلّت بالقارب في عرض البحر: "أصبحت مياه البحر سوداء اللون. وسمعتُ صراخ الركاب وصوت المياه المتلاطمة. وشعرتُ بأنّني سأغرق". ورأيت رفاص القارب يمزّق جسم أحد الأطفال إرباً إرباً. وبأعجوبة عثر باسم على عوامة، فأمسك بيد دعاء وتمكنا من الاستقرار في المياه".

 وتردف دعاء وكأنها تستعيد شريطاً سينمائياً: "انتشرت الجثث في كل مكان. وتجمع الناجون الذين بلغ عددهم مئة شخصٍ في مجموعات صغيرة ودعوا الله على نية إنقاذهم. ولكن مع حلول الظلام وشروق الشمس مجدّداً، فقد الكثيرون الأمل". وشاهدت دعاء العديد من الرجال يخلعون سترات النجاة ويغرقون. شعر رجل فلسطيني بأن النهاية باتت وشيكة، فاقترب من دعاء مع حفيدته، ملك، التي تبلغ من العمر 9 أشهر، وقال لها: "أرجوكِ خُذي الطفلة. أنا متعب جدّاً، ثمّ استسلم للبحر وفارق الحياة".

جائزة الشجاعة

وتصف دعاء اللحظات الأخيرة في حياة باسم الذي غرق أمام عينيها وكانت كلماته الأخيرة لها بحسب ما تروي: "آسف حبيبتي. أرجوكِ سامحيني". وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، توجّهت أمّ أخرى بصعوبة إلى دعاء مع طفلتها ماسة التي تبلغ من العمر 18 شهراً. وقالت لها: (أنقذيها. فأنا لن أنجو)".

وأصبحت دعاء التي لم تكن تجيد السباحة مسؤولةً عن إنقاذ حياة طفلَيْن صغيرَيْن بعد أن رأت خطيبها يغرق أمام عينَيْها. تقول: "كانا يبكيان ويشعران بالاضطراب والجوع والعطش. فرحتُ أخبرهما القصص وألعب معهما ومرّ يوم آخر، وآخر".

في اليوم الرابع من فصول المأساة رأت دعاء قارباً تجارياً. وراحت تصرخ، صرخت على مدى ساعتَيْن قبل أن يحدّدوا مكانها بواسطة أضواء البحث في الظلام، ويمدوّا لها حبلاً وهم يشعرون بالذهول لرؤيتهم شابّةً تمسك بطفلَيْن. توفيت إحدى الطفلتين وتٌدعى ملك في عيادة القارب، ولكنّ ماسة نجت.
 
واحتفت وسائل الإعلام اليونانية مشيدة ببطولة دعاء. وتم تكريمها في التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأوّل، من قبل أكاديمية أثينا، وهي إحدى أبرز المؤسسات في اليونان، حيث تم منحها جائزة الشجاعة.

ترك تعليق

التعليق