الوشاية لدى مصلحة الهجرة السويدية...أداة انتقام وتصفية حسابات من الأقارب والأصدقاء

في تصريحات سابقة لأحد مسؤولي مصلحة الهجرة على التلفزيون الرسمي السويدي، قبل عدة أعوام أكد أن عددا كبيرا من الرسائل الموقعة باسم “فاعل خير” تصل إلى بريد المصلحة بشكل دائم، تحتوي على وشايات يتبرع بنقلها أشخاص مقربين ضد أقاربهم أو أصدقائهم تفيد بمعلومات من شأنها أن تؤثر على اقامات وأوضاع المستهدفين بالوشاية، ومع أن مصلحة الهجرة مثلها مثل أي مؤسسة سويدية أخرى، لا تتخذ اجراءات تعسفية، إلا أنها بلا شك تتعامل على الأقل مع بعض هذه الرسائل بجدية.

وقبل أيام أعلنت مصلحة الهجرة السويدية، عن أنها حوّلت ملفات 130 من طالبي اللجوء، خلال الأشهر الستة الماضية، الى جهاز المخابرات Säpo للاشتباه بهم، في قضايا الإرهاب وجرائم الحرب، ولاحتمال أن يشكل وجودهم في السويد، تهديداً للأمن القومي للبلاد.

مما يطرح تساؤلات عن المصادر والمعايير التي اتخذتها المصلحة عند تحديدها لهذه الملفات، وهل لرسائل “فاعلي الخير” دور في هذه التحديدات؟

من المعروف أن مصلحة الهجرة الموكلة من قبل الحكومة في معالجة ملفات طالبي اللجوء، من حقها أن تعرف عن الشخص الذي طلب الحماية على الأراضي السويدية، وفي بعض الأحيان يتبرع طالب اللجوء بمعلومات عن نفسه بنفسه عند التحقيق، للحديث مثلا عن بطولاته أثناء محاربة النظام في سوريا مثلا، أو أثناء خدمة النظام، ظنّاً منه انه بذلك يساهم في تقصير فترة إنتظاره لقرار البت في ملفه! وهنا يتحول الشك إلى أن طالب الحماية واللجوء الماثل أمام المحقق في مصلحة الهجرة، يمكن أن يكون قد اقترف جرائم حرب أو تجاوزات معينة على الأقل.

في أحيان أخرى، يكون الشخص المتقدم بطلب لجوء معروفا لدى السلطات السويدية، من خلال تجميع معلومات من عدة مصادر، عندها تكون المهمة أيضا سهلة، على المصلحة لتحويل ملفه إلى الأمن السويدي.

“رسائل “فاعلي الخير” تأتي بأغلبها من المقربين”

رسائل “فاعلي الخير” تأتي بأغلبها من دوائر مقربة بالمستهدف بالوشاية، وأحيانا تكون صادقة وموثقة بصور أو أشرطة تسجيل، كما حدث مع شخص قاتل في صفوف المعارضة السورية، وحكمت عليه محكمة سويدية في شهر شباط/فبراير هذا العام بالسجن خمس سنوات، بعد أن شوهد في تسجيل مصور وهو يضرب ويهدد أحد الجنود السوريين.

و حوّلت مصلحة الهجرة العام الماضي 2014، ملفات 120 شخصاً، ما يعني زيادة كبيرة في أعداد المشتبه بهم خلال العام الجاري 2015. وهذا قد يعني ارتفاع وتيرة رسائل الوشايات أيضا وتصفية حسابات على الأراضي السويدية كانت قديمة أو جديدة.

ونظراً للزيادة في هذه القضايا، ومنعا للخطأ وقّعت مصلحة الهجرة والمخابرات السويدية اتفاقية حول تعميق التعاون، بالإضافة إلى توظيف المصلحة لمتخصصين يقودون عملية دراسة قضايا اللجوء المتعلقة بجرائم الحرب أو التهديدات الأمنية.

وقال المدير التنفيذي ونائب المدير العام لمصلحة الهجرة ميكايل ريبينفيك لصحيفة “افتونبلادت”: “نرى أن عدداً كبيراً جداً من طالبي اللجوء وصلوا خلال السنوات القليلة الماضية، والعديد منهم يأتون من مناطق شهدت صراعات طويلة الأمد. وفي البداية يكون معظم الهاربين من الضحايا، لكننا نرى المزيد من الأشخاص ممن شاركوا في المعارك يغادرون بلادهم، وقد يكونوا شاركوا في جرائم حرب”.

وشدد: “لكن من المهم التأكيد أن الأمر يتعلق بحالات فردية ومتفرقة”.

ومعروف أن الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو إرهاب لا يتم منحهم اللجوء والإقامة في السويد، وعندما تشتبه مصلحة الهجرة بأن طالب اللجوء يشكل خطراً على الأمن القومي للبلاد، ترسل قضيته إلى المخابرات، التي تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة، لتقوم بعدها مصلحة الهجرة باتخاذ القرار الرسمي.

وتقدم العام الماضي أكثر من 81 ألف شخص بطلب اللجوء في السويد، كما أن توقعات مصلحة الهجرة تشير إلى أن العدد سيكون متقارباً العام الحالي، حيث هناك شكوك أن يكون بينهم أشخاص ارتكبوا جرائم إرهابية قبل قدومهم، أو حتى أشخاص اختاروا مواصلة ارتكاب الأعمال الإرهابية في السويد أو في بلد آخر.

وحول احتمال وجود إرهابيين ومجرمي حرب حصلوا على إقامة في السويد، أجاب ميكايل ريبينفيك: “نعم، يوجد احتمال كبير بذلك، وإن أول حالة أدين بها مجرم حرب حصلت منذ عدة سنوات، وهذه القضايا يجب العمل عليها طوال الوقت، لأنه لا توجد أي ضمانات، سوى أن تعمل السلطات بشكل كبير على هذه المسائل”.

“لا نرسل أحداً إلى الموت”

وفي ذات السياق، تحدثت صحيفة “افتونبلادت” عن ازدياد عدد طالبي اللجوء المشتبه بارتكابهم جرائم حرب وإرهاب، من الذين لا يمكن ترحيلهم من السويد، بعد إعطاء الرفض لهم، بسبب الخطر الموجود على حياتهم في بلدهم الأم، كون السويد وقعت على إتفاقيات دولية لحقوق الإنسان، تمنع ترحيل أي شخص الى بلد قد يتعرض فيه الى القتل والتصفية الجسدية.

ومنذ مطلع العام الحالي وحتى الآن حصل ما يقارب 40 طالب لجوء مشبته به على إقامات مؤقتة لهذا السبب، فيما كان العدد 20 شخصاً العام الماضي.

كما أن العديد منهم يضطرون للبقاء في السويد بسبب علاجات جارية في المستشفيات، لكن معظمهم يشتبه بارتكابهم جرائم إرهاب وحرب.

وأكد نائب المدير العام لمصلحة الهجرة: “عندما نرفض طلب لجوء أحدهم لهذه الأسباب، فإنه يجب ترحيله، لكن لا يمكن تنفيذ القرار في حال وجود خطر بإعدامه أو تعرضه للتعذيب في بلده الأم. لذلك يتم منحه إقامة مؤقتة خلال فترة معينة في السويد، ريثما تتغير الأوضاع في البلاد، للنظر في إمكانية ترحيله”.

وأضاف: “رغم أن الأمر قد قد يستغرق وقتاً طويلاً جداً أحياناً، لكننا لا نرسل أحداً إلى الموت من السويد”.

عودة إلى موضوع الوشايات، لا شك أن الإبلاغ عن مشتبه به، قد يشكل خطرا على المجتمع هو عمل جيد، بل واجب من المفترض أن يقوم به أي شخص تلقى الحماية وفرصة للعيش بهذا البلد.

ولكن الوجه الآخر لهذه الوشايات، يمكن أن يكون فقط من باب الانتقام، عندها تكون الوشاية قد أضرت ليس فقط الشخص الذي لا يشكل فعلا خطراً على المجتمع وهو بريء من هذه التهم، بل أربك عمل مؤسسات الدولة وأهدر وقتها ومواردها.

هناك قصص كثيرة نسمعها، عن كيف تحول أقارب وأصدقاء الأمس إلى وشاة، بعد أن أمن لهم قريب أو صديق على سر أو معلومة قد تشكل عليه خطر لدى مصلحة الهجرة.

وهناك من يضطر إلى العيش بقلق وخوف لأنه أسر لصديق سابق بأنه سافر إلى بلده وهو يحمل لجوء سياسيا، أو قدم أوراق غير صحيحة عند حصوله على الإقامة، أو غير ذلك.

ومع أنه كما يقال: حبل الكذب قصير، يقوم الوشاة بتقصيره أكثر.

ترك تعليق

التعليق