أبعاد تخفيض دعم الوقود في الإمارات

التزمت حكومة الإمارات، بتوصية قدمتها بعثة صندوق النقد الدولي، بخصوص الإلغاء التدريجي للدعم المقدم من قبل الدولة لبعض السلع والمنتجات، وقررت، أمس السبت، تخفيض دعمها للوقود، من خلال رفع أسعار بعض المنتجات النفطية، بنسبة وصلت 24%.

 وقبل دخول تعديل  الأسعار حيز التنفيذ، شهدت محطات الوقود في البلاد، الجمعة، حالة من الزحام الشديد من قبل المواطنين.

ويجب عدم النظر إلى هذه الخطوة على أنها مجرد زيادة عابرة، لكنها سياسة جديدة تهدف إلى ربط أسعار استهلاك النفط بواقع الأسعار العالمية، وذلك بعد سنوات طويلة من استمرار سياسة دعم الوقود.

وكيل وزارة الطاقة الإماراتية، مطر النيادي، صرح لوسائل الإعلام، بأن  لجنة متابعة أسعار الوقود "ستراقب الأسعار العالمية لمادتي الجازولين والديزل، بشكل يومي، حيث سيتم في الـ 28 من كل شهر، الإعلان عن متوسط الأسعار، لاحتساب سعر بيع الوقود للشهر المقبل".

وبحسب التسعيرة الجديدة التي أعلنتها الوزارة، بلغ سعر لتر البنزين نحو 2.14 درهم (58 سنتاً) بدلاً من 1.72 درهم بزيادة 24%، فيما بلغ سعر لتر الديزل 2.05 درهم بدلاً من 2.90 درهم بانخفاض 29%.

وتُعد تصريحات النيادي ترجمة عملية على السياسة الجديدة، لمزيد من تحرير أسعار الوقود، ولا يمكن عزل تصريحات هذا المسؤول، والسياسة الجديدة لحكومة بلاده تجاه قضية تخفيض دعم الوقود، عن تقرير الزيارة الأخيرة لبعثة صندوق النقد الدولي في يونيو/حزيران الماضي.

    أجندة الصندوق

تقرير بعثة صندوق النقد الدولي في إطار مشاورات المادة الرابعة، والمنشور على موقع الصندوق يوم 4 يونيو/حزيران 2015، يؤكد على مطالبة الأخير بضرورة الإلغاء التدريجي للدعم مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.

ويبدو أن حكومة الإمارات رأت تخفيض دعم الوقود كخطوة أولية، نظرًا لتوصية صندوق النقد حول قضية الدعم بشكل عام، دون تخصيص سلعة بعينها، سيفتح الباب لخطوات أخرى قد تتخذها أبو ظبي، تجاه السلع الغذائية، وغيرها خلال الفترة القادمة.

وقد أتت توصية الصندوق في سياق تقريره، في إطار رؤيته لإصلاح السياسات المالية العامة بالإمارات، ولكن ينبغي النظر إلى الخطوة وتداعياتها على العديد من المؤشرات الاقتصادية داخل البلد، وأبرز هذه المؤشرات وأسرعها، ارتفاع معدلات التضخم.

وحسب ما ورد بقاعدة بيانات الصندوق، فإن معدل التضخم أخذ في الارتفاع بدولة الإمارات منذ عام 2012 وحتى الآن.

 ففي عام 2012 كان التضخم بحدود 0.7%، ثم 1.1% في 2013، ثم 2.3% في 2014، ويتوقع صندوق النقد مزيدًا من الارتفاع في 2015، ليصل معدل التضخم 3.8%، وهو ارتفاع طبيعي لمعدلات التضخم، فزيادة أسعار الوقود سوف تنعكس على زيادة أسعار العديد من السلع والخدمات، حيث تقدر تكلفة الوقود في التكلفة الإجمالية للسلع والخدمات بنحو 30%، وبالتالي ستشهد أسعار السلع والخدمات في الامارات ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة القادمة.

 

    تراجع اقتصادي

تأثرت الاقتصاديات النفطية الخليجية سلبا من أزمة انهيار أسعار النفط، وهو ما ظهر في حالة الإمارات، رغم تبني الأخيرة، خلال العقدين الماضيين، سياسات تهدف لتنويع اقتصادها، وتقليص اعتماده على النفط، حتى وصلت مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي 30%، إلا أن النفط لا يزال يشكل نحو 60% من الإيرادات العامة.

وثمة شواهد عدة على تأثر اقتصاد الإمارات سلبيًا بسبب الأزمة، حيث انخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي من 402 مليار دولار عام 2013 إلى 401 مليار دولار عام 2014، بحسب قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي.

وينبغي أن لا يُقرأ التراجع في قيمة الناتج على أنه نحو مليار دولار فقط، فعندما نعلم أن قيمة الناتج في عام 2012 كانت 372 مليار دولار، وأن الزيادة بين عامي 2012 و 2013، كانت بحدود 30 مليار دولار، نتأكد أن الانخفاض بالناتج المحلي في عام 2014، كان شديد السلبية، ويجب أن لا يُقيم أنه بحدود مليار دولار.

الأمر الثاني، أن معدل نمو الناتج، بعد أن كان 4.7% عام 2012، وزاد إلى 5.2% عام 2013، ثم تراجع عام 2014 ليصل 3.6%، ولا يُنظر لمعدلات النمو على أنها أرقام صماء، ولكنها تعني، حال انخفاضها، تقلص فرص العمل، وتراجع القيمة المضافة، وزيادة معدلات الركود.

والأمر الثالث، هو أن احتياطيات النقد الأجنبي عام 2014 شهدت زيادة قدرها 10 مليارات دولار، مقارنة بعام 2013، في حين أن الزيادة باحتياطي النقد في 2013، مقارنة مع عام 2012، كانت بحدود 21 مليار دولار، وهو ما يعني الأثر الواضح سلبيًا لأزمة انخفاض أسعار النفط على دولة الإمارات.

الجدير بالذكر أن الإمارات لديها احتياطيات نفطية تصل 97.8 مليار برميل، حسب احصاءات التقرير الاقتصادي العربي الموحد بنهاية عام 2013، وجاءت في المرتبة الرابعة بين الدول النفطية العربية من حيث احتياطيات النفط.

أما فيما يخص احتياطيات الغاز، فلدى الإمارات نحو 6 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يجعلها في المرتبة الثالثة عربيًا في هذا المجال.

 

    استشراف المستقبل

مما سلف ذكره، نجد أن خطوة تخفيض دعم الوقود، هي عرض لمرض، وهو هشاشة الاقتصاد الإماراتي، رغم الزخم في رصيده من احتياطيات النقد الأجنبي، أو تضخم رصيد الصندوق السيادي لإمارة أبو ظبي، الذي وصل نحو 750 مليار دولار.

تراجع المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد الإماراتي، له عدة دلالات، منها أن نهج سياسة تنويع الاقتصاد للبلد، وعدم اعتماده على النفط، لازالت هشة، بسبب اعتماد هذه السياسة على الأنشطة الريعية، المرتبطة بالاقتصاد العالمي، ما يجعل الاقتصاد المحلي شديد الحساسية للتقلبات الاقتصادية الدولية.

وقد تقود سياسة تحرير أسعار الوقود في الأجل المتوسط والطويل إلى فقد الإمارات بعض مزاياها التنافسية في بعض مجالات الخدمات، إذ سيؤدي رفع أسعار الوقود إلى رفع تكلفة إنتاج السلع والخدمات، ما يعني فقدان الإمارات ميزة الوقود الرخيص، التي كانت ربما سببًا فيما مضى في جذب الاستثمارات الأجنبية، في مجالات السياحة والخدمات الأخرى.

ولا شك في حال استمرار الأداء الاقتصادي لدولة الإمارات بهذه الوتيرة، بسبب انخفاض أسعار النفط، فسيكون لهذا الأمر عدة تداعيات، منها على الصعيد الداخلي، التخلي عن مزيد من الدعم تجاه سلع وخدمات أخرى، وكذلك تراجع دور الإمارات الداعم لاقتصاديات بعض دول المنطقة، مثل مصر.

كما قد يشهد الدور الإماراتي نوعًا من التراجع في الملفات الإقليمية الأخرى، مثل الملف السوري، واليمني (حيث تشارك في التحالف الذي تقوده السعودية منذ 26 مارس/أذار الماضي)، إذ  أن الدور الإماراتي في هذه الملفات سواء المصري، أو اليمني، أو السوري، يعتمد على التمويل بشكل كبير.

إن استمرار أزمة انهيار أسعار النفط في السوق العالمي من جهة، وحالة الصراع الإقليمي الخليجي الإيراني من جهة أخرى، يعني استنزاف موارد الطرفين على الأقل في الأجل المتوسط، في ظل الحرب المفتوحة في كل من سوريا، واليمن، وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في كل من ليبيا، ومصر، وتونس.

ترك تعليق

التعليق