السوريون في أنطاكيا: أجور عمالة منخفضة وقانون "الترحيل" مسلط على رقاب الجميع
- بواسطة مصطفى محمد – أنطاكيا - اقتصاد --
- 14 تموز 2015 --
- 0 تعليقات
لحظة تجولك في أنطاكيا، تستغرب كثرة البسطات الصغيرة التي تعرض المواد السورية الخالصة، والتي تنتشر على أرصفة شوارع المدينة، ولعل ما يثير استغرابك أكثر زهد المواد المعروضة على تلك البسطات، فتتوارد إلى ذهنك الكثير من الأسئلة، حول مدى كفاية المردود المادي الذي تحققه هذه الأعمال لروادها.
يأتيك الجواب على لسان الدكتور محمود بيطار، وهو أحد السوريين المقيمين هنا، "لاحيلة بيد هؤلاء إلا خداع أنفسهم، والتظاهر بأنهم يعملون، فالأعمال محدودة في أنطاكيا أمام السوريين، لأن هذا البلد ليس بلداً صناعياً، وعدا ذلك معظم الأعمال التي تتوفر لهم هي أعمال تتطلب بذل جهد عضلي وبدني شاق".
ويتابع بيطار، الذي يحمل شهادة دكتوراه في الإدارة، خلال حديثه لـ "اقتصاد"، "ما يجعل من أنطاكيا بلداً مفضلاً لدى السوريين قربها الجغرافي من سوريا، وانخفاض تكلفة المعيشة فيها مقارنة بالمدن التركية الأخرى، التي تضم تجمعات للسوريين".
"الجميع هنا تحت خط الفقر، باستثناء التجار وهم قلة هنا، وباستثناء من يتاجرون بدماء السوريين المرتبطين بالحكومة السورية المؤقتة، وصغار الكسبة من الموظفين لديهم، أو ممن يعملون لدى المنظمات الإغاثية"، يقول بيطار متحسراً.
وحسب الإحصائيات التي استطاع "اقتصاد" الحصول عليها من منظمات وتجمعات سورية غير رسمية، فإن عدد السوريين المقيمين في أنطاكيا يتراوح بين الـ150-170 ألف، (60 ألف عائلة) يتوزعون على أحياء تعتبر تجمعات للسوريين أكثر من غيرها، منها "جمهوريات، ومزرلك، واستنبيه"، وغيرها من الأحياء الشعبية.
ويبلغ متوسط إيجارات المنازل هنا حوالي 175 دولاراً أمريكياً، وهو مبلغ مقبول مقارنة بالمدن الأخرى، كما ويقطن الكثير من السوريين هنا في منازل لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية، مثل الأقبية، ومحال تخزين المواد الغذائية، والحطب والفحم وغيرها، ومع هذا فإن حوالي 20% من السوريين هنا عاجزون عن سداد الايجار الشهري.
سعيد الحظ من العمال السوريين هنا من يصل مجموع ما يتقاضاه شهرياً إلى حوالي 600 ليرة تركية، كما أخبرنا محمد أبو عبدالله، منسق في مكتب تجمع السوريين في أنطاكيا، والذي يضيف "ترى السوريين هنا في مغاسل السيارات، وفي ورش سكب المعادن، وفي ورشات البناء، وجميعهم عرضة للاستغلال والانتهاك من أرباب العمل".
وبعد أن سكت برهة قال "قد يميز هذه المدينة عن سواها قرار "الترحيل"، فالسلطات التركية أولت لهذه المدينة ترتيباً خاصاً، أي بمجرد وقوع أي مشكلة بين السوري والتركي، فالحكم محسوم لصالح التركي في حال تسجيل ضبط لدى الجهات الأمنية، والترحيل هو ما سيواجه الشخص السوري فوراً، دون الالتفات إلى عائلة الشخص المرحّل، التي قد تُترك لوحدها، أو للارتباطات المالية للشخص".
ويوضح أبو عبدالله لـ "اقتصاد"، "بعض السوريين يستأجرون محالاً قد تكون بأحياء مهملة، وعند ازدياد نشاط المحل تجارياً، يطلب مالك المحل من السوري الإخلاء فوراً، ويقوم بعدها بفتح المحل لحسابه الخاص، والسوري لا يملك خياراً آخر".
يضيف "نحاول في التجمع الذي أسسناه بجهود شخصية، أن نوضح للسوريين بأنهم أصحاب حق، عبر المنشورات التوعوية، ونشاطات أخرى، لكن الأشد إيلاماً هنا هو استغلال السوري للسوري".
ويروي أبو عبدالله لـ "اقتصاد" حكاية كان شاهداً على تفاصيلها حيث يقول "امرأة بلا معيل ولديها ثلاثة أطفال، لم تجد عملاً إلا في تنظيف دورات المياه في مركز انطلاق الحافلات (البولمان)، بمرتب لم يتجاوز الـ 400 ليرة تركية شهرياً، ومع ذلك كانت فرحتها لا توصف حينها".
ويمثّل التعليم وجعاً مضافاً هنا، فالمدارس السورية التي افتتحت في المدينة عبارة عن مدارس منزلية فقط، وذلك لعدم سماح مدراء المدارس الأتراك للسوريين بأن يفتحوا مدارسهم في الأبنية المدرسية النظامية".
وهذا ما حدا بالناشط في المجال المدني والإنساني، محمد بدر الدين، إلى وصف الواقع التعليمي للسوريين بـ"الكارثي"، مضيفاً "المنظمات السورية التعليمية ركزت أعمالها في عنتاب وكلس والريحانية واستانبول، وأهملت أنطاكيا، وهذا ما فاقم مساوئ الواقع التعليمي هنا".
ويرى بدر الدين، أن غالبية العمالة السورية التي استطاعت تأمين أعمال هنا، هم من التركمان السوريين، الذين ينتمون للمناطق الساحلية السورية.
ومع أن المدينة تضم غالبية من الطائفة العلوية، فإن العلويين، وفق وصف الدكتور محمود بيطار، هم الألطف تعاملاً مع السوريين، ويستند بيطار في ذلك إلى معاينته لكثير من المساعدات الإنسانية التي يقدمها العلويون للسوريين هنا.
ويبقى أن نشير إلى نقطة مضيئة هنا تحسب للسوريين، تمثلها جودة الخدمة الصحية المقدمة هنا، فالمعاملات الصحية توصف بالسلسة هنا، وذلك لوجود مشافي عامة تقدم خدماتها للسوريين دون تفريق عن أقرانهم الأتراك.
التعليق