قبيل رمضان...السوريون تحت رحمة "أهل الخير"..!!

بات السوريون بمختلف انتماءاتهم السياسية، ولا فرق هنا بين من يعيش في مناطق النظام ومناطق المعارضة، باتوا ينتظرون أنشطة الجمعيات الخيرية خلال شهر رمضان المبارك، ويعولون عليها كثيراً للتغلب على مصاعب الحياة المعيشية وارتفاع الأسعار، التي تترافق عادة مع قدوم الشهر الكريم.

وقد أعلنت عدد من الهيئات والجمعيات الإنسانية السورية والعربية عن خطط لتوزيع مساعدات غذائية في مناطق المعارضة في الداخل واللجوء على حد سواء، جعلت من قدوم الشهر، منتظراً بفارغ الصبر لدى فئة كبيرة من السوريين.

 لكن غالباً ما يصطدم هذا الانتظار بمفاجآت كبيرة، حيث أن المساعدات غير كافية في كثير من الأحيان، إضافة إلى أن أسلوب التوزيع وطرائقه دائماً ما يتم انتقادها على أنها غير لائقة و تتحكم بها المحسوبيات، والكثير من هذه الجمعيات يحاول أن يستخدم هذه المساعدات كوسيلة للابتزاز وحشد الأنصار، كونها، وأقصد الجمعيات، يعود الكثير منها لتيارات سياسية أو دينية...فما الذي يعول عليه السوريون من خلال هذه الجمعيات خلال شهر رمضان المبارك..؟، وما هو موقف "أهل الخير" من الاتهامات السابقة التي يتم توجيهها لهم....وهل سيأخذونها بعين الاعتبار هذا العام ..؟

المبادرات الفردية ذات فعالية أكبر

يقول "أبو مالك"، وهو لاجئ سوري في الأردن، إن هناك أنشطة متعددة ومهمة للهيئات الخيرية خلال شهر رمضان المبارك تحديداً، كون أغلبها لم يعد يعمل إلا في هذا الشهر. مضيفاً: "السلبي فيها دائماً، أنها تطلب منك أن تذهب إليها أنت وأن تقوم بإجراءات التسجيل ومن ثم التزاحم من أجل الحصول على المساعدة، وهو أمر لا يستطيع القيام به الكثيرون، وبالذات أصحاب الحاجة الحقيقيين، لذلك غالباً ما تجد على أبواب الجمعيات من هم أقل حاجة من غيرهم، ويحدث ما يحدث من صراعات غالباً ما يتم حلها بالأيدي والكلام البذيء". ويرى "أبو مالك" أن الناس لم تعد تعول كثيراً على هذا النوع من "الأعمال الخيرية"، وإنما يعولون على المبادرات الفردية التي يقوم بها ميسورون يحاولون البحث عن المحتاجين الفعليين وإيصال المساعدة إلى بيوتهم، بعيداً عن سحق الكرامات الذي يجري على أبواب الجمعيات الخيرية.

في الداخل .. صراع من نوع آخر

أما "أبو أحمد"، وهو مقيم في المناطق المحررة من حوران، فيروي قصصاً مختلفة عن أنشطة الجمعيات الخيرية في المناطق المحررة، حيث الناس هناك تعرف بعضها البعض، وليست بحاجة لمن يدلها على من هو المحتاج، كون المجالس المحلية المشكلة من أبناء كل بلدة هي التي تتولى مسؤولية توزيع المساعدات بمساعدة الكتائب العسكرية في كثير من الأحيان.

 ويضيف "أبو أحمد": "إن المحسوبيات موجودة والصراع متوفر بكثرة، لكن المشكلة هي بالتزاحم بين التيارات السياسية والدينية التي تمتلك أنشطة خيرية وإنسانية وتسعى من خلال هذه المساعدات لحشد الأنصار والمؤيدين". ويتابع: "قلة من الجمعيات التي تتطلع لعمل الخير مخلصاً لوجه الله تعالى حتى في الشهر الكريم...!!".

بدوره، يقول "أبو إياد"، وهو من المقيمين في المناطق المحررة في إدلب: "إن التسابق بين من يريد أن يملك المؤيدين ويحشد الأنصار أو من يريد أن يروج لنفسه، موجود في كل مكان"، لكنه يرى أن ذلك ليس هو العامل الحاسم في تحديد هوية الناس المستقبلية، لأن هذه المرحلة، حسب قوله، صعبة كثيراً على الناس التي تعاني من شح في كل شيء يقابله غلاء أسعار فاحش وندرة في المداخيل المالية. ويضيف: "إن حجم المأساة أكبر بكثير من نشاط الجمعيات الخيرية، وهو لا يغطي إلا جزءاً يسيراً من المطلوب". ويرى "أبو إياد" أنه بعد أربع سنوات من الصراع وكل ما تعرض له الشعب السوري من تهجير وتجويع، كان من المفروض أن ينتج آلية مختلفة عن فكرة المساعدات والجمعيات الخيرية، محملاً المسؤولية للمعارضة السورية التي لم تستطع أن تنظم هذا الأمر، وتركته لـ "فاعلي الخير" فقط ..!!

أين المشاريع ..؟!

وفي السياق ذاته، يرى المحامي "عبد المنعم الخليل"، مدير مؤسسة "يقين" الإعلامية في المنطقة الجنوبية، إن المطلوب اليوم لا يمكن لفاعلي الخير تلبيته مهما بذلوا ، مشيراً إلى أن الأوضاع المعاشية تزداد سوءاً باستمرار، وهو أمر كان من المفترض بالهئيات السياسية إدراكه والتحضر له، "وعدم تركه لمن يريد أن يتزعم الناس ببضعة قروش".

ويحمل المحامي الخليل المسؤولية للائتلاف الوطني بالدرجة الأولى ومؤسساته، التي لم تطرح حتى الآن مشاريع تكفي الناس ذلّ الحاجة والسؤال. ويضيف: "نحن بحاجة لمشاريع زراعية وحيوانية بالدرجة الأولى، وليس لمن يوزع علينا المساعدات..!!".

وللجمعيات قول آخر
 
حاولنا خلال اليومين الماضيين التواصل مع عدد من الهيئات السورية الناشطة في مجال توزيع المساعدات الإنسانية والغذائية خلال شهر رمضان المبارك ومعرفة خططها لهذا الشهر الكريم، بالإضافة إلى نقل هواجس الناس وما يوجهونه إليها من انتقادات. تجاوب معنا أحد العاملين البارزين في أكبر هذه الهيئات، لكنه طلب منا عدم ذكر اسمه واسم الهيئة، واعتبر كلامه غير رسمي وإنما لضرورة التوضيح. يقول: "هيئتنا تم تأسيسها منذ ثلاث سنوات تقريباً، وهي ذات توجه ديني معتدل، وأغلب أنشطتها إغاثية في الداخل السوري وتعتمد على تبرعات أهل الخير من السوريين وبعض العرب، وعملها لا يقتصر على شهر رمضان المبارك، بل تقوم بأنشطة دورية بحسب ما يتوفر لديها من إمكانيات".

ويضيف: "في شهر رمضان تزداد أنشطتنا بسبب زيادة أعداد المتبرعين، حيث وضعنا خطة لهذا العام تقضي بتوزيع سلل غذائية تكفي لأكثر من عشرين ألف أسرة في الداخل خلال شهر رمضان الكريم، والأمر قابل للزيادة في حال قدوم تبرعات جديدة".

أما عن آلية التوزيع، يقول: "إننا نعتمد بالدرجة الأولى على بيانات يقوم بها فريق تابع لنا في مختلف المناطق السورية وهي تخضع لاعتبارات إنسانية بالدرجة الأولى، حيث يحتل أبناء الشهداء والمعتقلين وعوائلهم، الأولوية بالنسبة لنا، وكل ما يزيد عن حاجة هؤلاء يتم توزيعه على من هم أكثر حاجة، وأيضا لدينا بيانات في هذا المجال".

وعن الانهامات التي تم ذكرها في التقرير، يوضح: "نحن ليس لدينا أجهزة رقابة مباشرة على من يقومون بالتوزيع، لكننا نتابع ونستقبل الشكاوي المرفقة بالإثباتات، ونحاول أن نقوّم من آلية عملنا باستمرار، وقد حدث وعاقبنا الكثير ممن حاولوا التلاعب وغيرنا فرقنا أكثر من مرة"، مشيراً إلى أن الخطأ وارد كون الظروف استثنائية ولا تسمح بآلية عمل مريحة.
 
وأما ما يشاع عن استخدام المساعدات في سبيل حشد الأنصار، فيقول: "نحن نطبع اسم هيئتنا على المساعدات التي يتم توزيعها، وهو أمر الهدف منه ترويجي، للحصول على المزيد من الدعم من المتبرعين"، نافياً أن يكون هناك محاولة للبحث عن أهداف سياسية أو غيرها من خلال هذا العمل.

وأخيراً، في معرض رده على ضرورة استبدال المساعدات بالمشاريع، أشار إلى أن الأمر يجري العمل به، والكثير من الهيئات الإنسانية بدأت بالعمل ببعض المشاريع الزراعية بسبب صعوبة إدخال المساعدات من الخارج، لافتاً إلى أن هذه التجربة لا تزال محدودة وفي بدايتها، ولم تظهر نتائجها على نطاق واسع.

ترك تعليق

التعليق