حقوقي يشرح لـ "اقتصاد" كيفية معالجة تبعات الدخول تهريباً من السودان إلى مصر

يشكل الدخول إلى مصر، تهريباً من السودان، إحدى طرق السوريين المُعتمدة للخروج من سوريا، إما للاستقرار في مصر، أو للإقامة المؤقتة فيها على طريق الهجرة غير الشرعية، عبر البحر، إلى "الجنة الأوروبية المأمولة".

ولأن الخيارات تنفذ أمام بعض السوريين، تبقى مصر الخيار الأمثل، ومع اشتراط التأشيرة والموافقة الأمنية على السوريين لدخول مصر، يصبح خيارات الدخول إليها بالتهريب مطروحة بشكل جدي.

في ربيع العام 2013، تلقت هيام دعوة زيارة لها ولأولادها، من شقيقتها المقيمة في أبوظبي، ووافق زوجها على سفرها، فغادرت إلى هناك وفي ظنها أنها ستقضي بضعة أسابيع لترجع بعدها إلى منزلها حيث تُقيم مع زوجها في الاسكندرية بمصر، بعد مغادرتهم لسوريا منذ نهاية العام 2012.

لكن مع مطلع صيف العام 2013، وبعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، وفرض تأشيرة وموافقة أمنية مسبقة على السوريين لدخول مصر، بقيت هيام وأولادها لدى شقيقتها في أبوظبي، عاجزة عن العودة إلى مصر، وفي الوقت نفسه، عجز زوجها عن مغادرة مصر، لأنه لم يحصل على تأشيرة إلى الإمارات، ولم يجد خيار تركيا مناسباً بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة هناك مقارنة بمصر. فكان الخيار الأفضل للزوجين، أن تدخل هيام وأولادها إلى مصر، تهريباً، عن طريق السودان.

تكلف الرحلة تهريباً عبر السودان إلى مصر 800 دولار للفرد الواحد، وفي حال العائلات، تكلف للعائلة الواحدة، متوسطة العدد، 1500 دولار. ولأن السودان من الدول المعدودة الباقية، التي لا تطلب تأشيرة مسبقة من السوريين لدخولها، باتت مسلكاً لبعضهم لدخول مصر عبر حدودها الجنوبية، بصورة غير شرعية. لكن تكمن المشكلة في أن الكثير من السوريين لا يُحسنون معالجة تبعات هذا الدخول غير الشرعي إلى مصر.

تمكنت هيام، برفقة أولادها، من دخول مصر عبر السودان، في رحلة وصفتها بـ "الشاقة للغاية"، ووصلت بالسلامة إلى الاسكندرية، إلى منزل زوجها، لكنها اكتشفت لاحقاً أنها ارتكبت جُرماً قانونياً، يجعلها عاجزة عن الحياة بصورة شرعية في مصر.

لا تستطيع هيام اليوم تسجيل أولادها في المدارس، ولا تستطيع القيام بأية معاملة في الداوئر الرسمية المصرية، لأن دخولها لم يُسجل إلى مصر.

لم يدرس زوج هيام الخيارات كافة بشكل جيد، وقرر متسرعاً، المخاطرة بعائلته في رحلة هجرة غير شرعية عبر البحر، لتحقيق حلمه المنشود بالوصول إلى أوروبا.

قاسم، سوريّ آخر، دخل أيضاً مع عائلته إلى مصر، تهريباً من السودان، لكنه استخدم وسيلة أخرى لتطبيع وجوده في مصر بصورة قانونية، حسب ما نصحه أصدقاء مصريون. فقد ذهب قاسم إلى إحدى المخافر في الاسكندرية، وتقدم ببلاغ عن فقدانه لجواز السفر. وأُعد محضر بالواقعة في المخفر، ينوي قاسم أن يتقدم به إلى الجهات الرسمية في مصر، وأن يذهب به إلى سفارة النظام في القاهرة لاستخراج جواز سفر بديل.

"اقتصاد" استشارت المحامي، فراس حاج يحيى، مسؤول حقوق الإنسان في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، بالقاهرة، فأبلغنا بأن السبل غير القانونية لمعالجة تداعيات الدخول تهريباً من السودان، تزيد الأمور تعقيداً، ونصح كل من دخل مصر بصورة غير شرعية أن يعتمد سبيل مفوضية شؤون اللاجئين لتطبيع وضعه قانونياً.

وتعليقاً على طريقة قاسم، وهي الادعاء بضياع جواز السفر لاستصدار آخر بديل، حذر المحامي فراس حاج يحيى من هذه الأساليب، مشيراً إلى أن السلطات المختصة المصرية ستكتشف التلاعب، لأنها تستطيع بسهولة أن تكتشف أن قاسم لم يسجل دخوله إلى مصر عبر أي من المعابر الحدودية البرية أو الجوية أو البحرية. وبالتالي، سيكون وضع قاسم القانوني غير سليم.

وكحل لهذه المشكلة، نصح فراس حاج يحيى كل من دخل مصر بصورة غير شرعية، أن يذهب إلى مفوضية شؤون اللاجئين، ويروي قصته لهم، ويقرّ بدخوله بصورة غير شرعية.

وفصّل حاج يحيى بأن على من دخل مصر بصورة غير شرعية "مراجعة مفوضية اللاجئين أيام الأحد أو الاثنين أو الثلاثاء من كل أسبوع، وتسجيل أنفسهم كطالبي لجوء، وشرح وضعهم الحقيقي لقسم الحماية في المفوضية، عندها سيطلب منهم موظف قسم الحماية التوقيع على إقرار بدخولهم بطريقة غير شرعية، وهو طلب لقوننة وضعهم ووجودهم في مصر، عندها يقوم قسم الحماية بتحويل هذا الطلب إلى الجهات المصرية، لتقوم بدورها بدراسة هذه الملفات ومنحهم موافقة على إقامة اللجوء، التي تستغرق حوالي 6 شهور حتى تصدر، وخلال هذه الفترة يعتبر "الكرت الأصفر"، الذي تمنحه المفوضية للاجئين، مستنداً قانونياً كافياً لتبرير إقامتهم، ولا يترتب عليه أي مسؤولية قانونية أمام السلطات المصرية، وهذا يعتبر حماية لهم طوال المدة المطلوبة للحصول على إقامة اللجوء".

رشاد يعتزم فعل ذلك، وهو سوريّ مقيم مع عائلته في لبنان، ويواجه مشكلات عديدة، أبرزها ما يرتبط بتكاليف المعيشة الباهظة هناك، ناهيك عن سوء معاملة بعض اللبنانيين للسوريين. ولأن رشاد لا يستطيع تحمل تكاليف الانتقال والمعيشة بتركيا، فهو يفضل خيار مصر، وهو يملك القدرة المالية على دخولها تهريباً، عبر السودان، بـ 1500 دولار، برفقة عائلته. وحينما يصبح بمصر، سيجد حلاً لمشكلة الإقامة. لكن مشكلة رشاد الآن هي الوثوق بمهرّب ينقله من السودان بطريقة آمنة لا مخاطر فيها.

أما الدخول إلى مصر بالطرق القانونية، وعبر الحصول على تأشيرة وموافقة أمنية مُسبقة، فهي قضية عصيبة للغاية، إلا على من يستطيع الدفع، إذ باتت تأشيرة الدخول إلى مصر تُكلف ما يتراوح بين 2700 إلى 3000 دولار أمريكي للفرد الواحد، وفي حال وجود عائلة من 4 أو 5 أفراد، يكون المبلغ باهظاً للغاية، يندر أن نجد من يستطيع تحمله إلا من الميسورين.

ترك تعليق

التعليق