تجارة بـ 2 مليار دولار تحت وطأة تحرير معبر "نصيب"

رصد تقرير لوكالة الأنباء "رويترز" الأضرار التجارية التي لحقت بشركات وتجار بسوريا والأردن ولبنان، جراء سيطرة المعارضة السورية على معبر نصيب الحدودي بالأردن. واعتمد التقرير في الكثير من تحليلاته على تصريحات لمسؤولين من النظام السوري.

وأفاد التقرير بأن سيطرة المعارضة على معبر نصيب قطع الممر الرئيس لحركة تجارة بينية يتجاوز حجمها ملياري دولار سنوياً، ووجه ضربة شديدة لجهود حكومة النظام لإنعاش تجارة التصدير التي كانت مزدهرة قبل العام 2011.

وحسب تقرير الوكالة، فإن ما حدث في نصيب ألحق الضرر بشركات وتجار سوريين وأردنيين ولبنانيين، حيث بات المصدرون اللبنانيون تحديداً عاجزين عن إرسال البضائع بالشاحنات عبر سوريا والأردن إلى أسواقهم الرئيسية في الخليج.

ويضطر المصدرون للتحول إلى طريق أعلى تكلفة بكثير عبر البحر والبر مروراً بمصر للوصول إلى المستهلكين بدول الخليج الثرية.

ورصدت"رويترز" حديثاً لمهند الأصفر، عضو اتحاد المصدرين السوري ومدير التسويق في وزارة الزراعة السورية، للتلفزيون الحكومي السوري الخاضع للنظام، هذا الأسبوع، قال فيه "كان إغلاق معبر نصيب بالذات كارثة بالنسبة لنا وكارثة بالنسبة للجانب الأردني لأنه أيضا عندهم بضائع يجب أن تشحن وتبادل تجاري ومنتجات زراعية."
وكانت سوريا ملتقى لحركة التجارة بين أوروبا وشبه الجزيرة العربية وتنقل سلعاً بمليارات الدولارات قادمة من تركيا إلى الخليج. وكان المنتجون السوريون أنفسهم موردين رئيسيين للمنطقة.

وتدهورت هذه التجارة خلال الأزمة المستمرة في البلاد منذ أكثر من أربع سنوات. وتحاول حكومة النظام حالياً إعادة بناء الصناعة والصادرات السورية لمقاومة العقوبات التي فرضها الغرب عليها وهزيمة المعارضة المسلحة، حسب ما ذكرت "رويترز".

وبات 40 بالمئة على الأقل من الطاقة الإنتاجية الصناعية معطلاً لكن الشركات نقلت بعض الإنتاج بعيداً عن المناطق التي نالها القسط الأكبر من الضرر بسبب القتال. وتضغط حكومة النظام على تلك الشركات بقوة لزيادة الصادرات اللازمة لجني العملة الصعبة الشحيحة وتعزيز واردات المواد الخام الضرورية.

وفي التقرير ذاته، رصدت "رويترز" حديثاً لثائر فياض مدير التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد للتلفزيون السوري الخاضع للنظام قال فيه "أنا بحاجة للقطع الأجنبي وأنا لي هدف ألا أستورد المواد المنتجة محلياً لأنه عندي حجم من القطع الأجنبي أريد أن أحافظ عليه لاستيراد المواد الأساسية".

وعادت الصادرات السورية للارتفاع إلى 1.8 مليار دولار العام الماضي أعلى مستوى لها منذ العام 2011 وفقاً لما ذكره إيهاب سمندر مدير هيئة تنمية وترويج الصادرات السورية التي تديرها حكومة النظام. وبرغم ذلك فإن هذا أقل كثيراً من فاتورة الواردات التي قدرها بمبلغ 4.3 مليار دولار. كانت الصادرات السورية تبلغ 12 مليار دولار في العام 2010.

وحتى الآن تلعب الحدود الجنوبية السورية دوراً رائداً في حملة إحياء الصادرات. وتظهر بيانات أردنية أن حجم التجارة البينية مع سوريا اقترب من ملياري دولار العام الماضي.

وزادت أهمية معبر نصيب الواقع على الطريق السريع بين دمشق وعمان بسبب الزيادة المطردة في صادرات الملابس والسلع الاستهلاكية من المصانع التي نقلها أصحابها السوريون إلى مناطق تسيطر عليها حكومة النظام في دمشق وعلى ساحل البحر المتوسط.

وجاء إغلاق المعبر في أسوأ توقيت بالنسبة للمزارعين السوريين لأن موسم الأمطار الجيد أتاح فائضاً للتصدير في الشهور الأخيرة من منتجات مثل التفاح والليمون.

ولم تذكر "رويترز" أن معظم المنتجات الزراعية المُصدرة حالياً تعود للساحل السوري، إذ أن الجزء الأكبر من المناطق الزراعية الأخرى باتت خارج سيطرة النظام.

وأضاف تقرير الوكالة أن الطرق البرية الرئيسية الأخرى مستبعدة كخيار للتجارة الرسمية. ففي الشمال يسيطر المعارضون أيضاً على معبري باب الهوى وأعزاز على الحدود مع تركيا في حين تسيطر جماعة الدولة الإسلامية على أغلب الطرق إلى العراق. والاستثناء الرئيس الوحيد هو معبر اليعربية لكنه في أيدي الأكراد السوريين.

وأيد الأردن المعارضة المسلحة الرئيسية لكنه لا يزال يحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع سوريا. وترتبط كثير من الشركات على الجانبين بعلاقات تجارية قوية في حين أن بنوكاً مملوكة لأردنيين تشكل ركيزة للنظام المالي السوري. ونقل مئات المستثمرين السوريين الذين خسروا مصانعهم عملياتهم إلى الأردن.

لذلك حرصت عمان على الحفاظ على التجارة عبر الحدود واستغلت نفوذها لدى جماعات المعارضة لمنعها من السيطرة على معبر نصيب. لكن تلك الجماعات سيطرت عليه في نهاية الأمر في محاولة على ما يبدو للحيلولة دون استيلاء جبهة النصرة التابعة للقاعدة على المعبر، حسب "رويترز".

وكانت نحو 300 شاحنة تعبر يومياً من سوريا ثلثها شاحنات لبنانية متجهة إلى الخليج برغم القتال العنيف بالمنطقة. وكان هذا العدد يقارن بنحو 1000 شاحنة تعبر يومياً قبل الأزمة لكنه كان ضمن بضعة دلائل قليلة باقية على الأوضاع الطبيعية للتجارة الرسمية عبر الحدود.

وقال محمد الداود رئيس نقابة أصحاب الشاحنات بالأردن والتي تضم 17 ألف شاحنة "كانت هذه هي البوابة الرئيسية في الشام إلى الخليج".

وبالنسبة للأردن فإن صادرات تتجاوز المليار دولار سنوياً باتت مهددة وعلى رأسها المواد الخام للصناعات السورية وامدادات إلى الوكالات التابعة للأمم المتحدة. وخسارة هذا من شأنه أن يوجه ضربة أخرى للبلد المثقل بالديون والذي يواجه صعوبة في استيعاب أكثر من 600 ألف لاجئ سوري.

وقال نائل الحسامي المدير التنفيذي لغرفة تجارة عمان "تأثير الإغلاق ملموس في كل قطاعات الاقتصاد".

وطالب بعض رجال الأعمال الأردنيين الحكومة بفتح معبر جديد إلى أراض تسيطر عليها حكومة النظام حتى يمكن استئناف التجارة الرسمية.

ويعاني أيضاً لبنان إذ يمر نحو 70 بالمئة من منتجاته الطازجة إلى الخليج من خلال معبر نصيب. ويقدر مسؤولون لبنانيون قيمة الصادرات الصناعية والزراعية بمليار دولار وسيضطر التجار الآن للانتقال إلى مسارات بحرية أعلى تكلفة.

ويسارع المصدرون السوريون أيضاً للبحث عن بديل وباتوا مضطرين لدفع تكاليف شحن إضافية تعادل 2000 دولار على الأقل لكل شاحنة.

وتستعد سفينة تحمل 40 حاوية تفاح سوري لمغادرة ميناء طرطوس على البحر المتوسط مستخدمة مساراً جديداً عبر مصر إلى الأردن والأسواق الخليجية. وفيما يخص الخليج يتضمن هذا تفريغ الحاويات في مصر ونقلها بالشاحنات إلى البحر الأحمر - لتجنب دفع تكلفة أعلى بالمرور عبر قناة السويس - ثم إعادة تحميل الحاويات إلى سفينة أخرى لمواصلة الرحلة.

وهذه الضبابية إلى جانب التأخيرات والتكلفة الإضافية تسبب خسائر. وقال باسم الحلو الذي يملك مصنعاً للملابس الداخلية النسائية إن طلبيتين من عملاء قدامى في السعودية والإمارات بقيمة 250 ألف دولار أصبحتا في مهب الريح.

وقال عبر الهاتف "من المستحيل إيجاد بديل أفضل وأرخض لمعبر نصيب".

وأضاف "كثير من مصنعي المنسوجات الذين بدأوا بصعوبة في الآونة الأخيرة في التصدير بعد توقف لأكثر من ثلاث سنوات سيواجهون صعوبة في الاستمرار إذا تواصل هذا لفترة طويلة".



ترك تعليق

التعليق